هونغ كونغ (CNN)— أكدت الصين دعمها لروسيا، بعد أن شكل تمرد قصير الأمد التحدي الأكبر لحكم فلاديمير بوتين، الشريك المقرب للزعيم الصيني شي جين بينغ، في مساعيه من أجل نظام عالمي جديد وتحالف استراتيجي ضد الولايات المتحدة.
وتردد صدى التمرد القصير الذي قامت به مجموعة مرتزقة فاغنر، خارج روسيا، بما في ذلك في الصين المجاورة، حيث أقام شي علاقة قوية مع رفيقه الاستبدادي بوتين، بفضل عدم ثقتهما المتبادلة في الغرب - وهي رابطة استراتيجية تعمقت فقط في السنوات الأخيرة، حتى بعد غزو موسكو المتعثر لأوكرانيا.
وقال تشونغ جا إيان، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية: "من المحتمل أن يكون هناك بعض التحركات في بكين لمعرفة ما يعنيه هذا بالنسبة لبوتين للمضي قدما، خاصة إذا كان ذلك يعني روسيا أكثر انقساما أو بوتين الضعيف للغاية".
وخرجت بكين أخيرا عن صمتها في وقت متأخر من، ليلة الأحد، ودعمت روسيا ببيان مقتضب تجاهل الأحداث ووصفها بأنه "شأن روسي داخلي".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في بيان على الإنترنت: "بصفتها جارة صديقة لروسيا وشريكا استراتيجيا شاملا للتنسيق في الحقبة الجديدة، تدعم الصين روسيا في الحفاظ على الاستقرار الوطني وتحقيق التنمية والازدهار".
وجاء تعليق بكين العام المُعد بعناية بعد أن تبدد التمرد القصير والفوضوي، حيث وافق أمير الحرب يفغيني بريغوجين، السبت، على سحب مقاتليه في صفقة مع الكرملين، على أن يذهب إلى المنفى في بيلاروسيا.
كما جاء بعد أن توجه نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودنكو إلى بكين، للقاء مسؤولين صينيين، الأحد، حيث أعاد الجانبان تأكيد شراكتهما الوثيقة وثقتهما السياسية.
وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان من سطر واحد، نشرته على موقعها على الإنترنت، إن وزير الخارجية الصيني تشين غانغ ورودينكو تبادلا الآراء حول "العلاقات الصينية- الروسية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك"، وأرفقت الوزارة البيان بصورة للمسؤولين وهما يبتسمان خلال الاجتماع الذي لم يُعلن عنه مسبقا.
وقالت وزارة الخارجية الروسية إن رودينكو أجرى أيضا "مشاورات مقررة" مع نائب وزير الخارجية الصيني ما تشاوشو.
وذكرت الوزارة الروسية في بيان أن "الجانب الصيني أعرب عن دعمه لجهود قيادة الاتحاد الروسي من أجل استقرار الوضع في البلاد، فيما يتعلق بأحداث 24 يونيو، وأكد مجددا اهتمامه بتعزيز وحدة روسيا وزيادة ازدهارها".
ووفقا للتصريحات الصينية، أخبر نائب وزير الخارجية الصيني، المسؤول الروسي أن الثقة السياسية المتبادلة والتعاون بين الصين وروسيا قد نما باستمرار تحت قيادة شي وبوتين. كما تعهد الجانبان بحماية "المصالح المشتركة" لكلا البلدين في ظل ما أسماه "الوضع الدولي المعقد والقاتم".
والتقى شي، أقوى زعيم استبدادي في الصين منذ عقود، ببوتين شخصيا 40 مرة منذ وصوله إلى السلطة في عام 2012، وهو معدل أكثر بكثير من أي زعيم عالمي آخر.
وفي السنوات الأخيرة، قام أقوى زعيمان استبداديان في العالم بتقريب جهود بلديهما معا في طموح لتحدي ما يعتبران أنه عالم أقدم، فرضته "الهيمنة الأمريكية".
وأعلن الثنائي صداقة "بلا حدود" في فبراير/ شباط 2022، قبل وقت قصير من شن بوتين حربه على أوكرانيا. ومنذ ذلك الحين، رفضت الصين إدانة الغزو وقدمت الدعم الدبلوماسي والاقتصادي الذي تحتاجه روسيا بشدة، وهو الموقف الذي زاد من توتر علاقاتها مع الدول الغربية، وخاصة في أوروبا.
ولكن مع استمرار الحرب المدمرة، تفاقم تحالف بكين المكلف، بسبب المخاوف من أن الصراع الذي طال أمده يمكن أن يزعزع استقرار بوتين على السلطة في نهاية المطاف.
ولم يبرز أي شيء، تلك المخاوف أكثر من العرض الاستثنائي للتحدي من قبل تمرد فاغنر، الذي حطم أساس السيطرة الكاملة التي كافح بوتين للإبقاء عليها أكثر بعد الغزو.
ويبدو أنه تم تجنب حربا أهلية في روسيا، في الوقت الحالي، وهو أمر ستستقبله بكين بارتياح.
فالصراع داخل روسيا لا يهدد فقط استقرار حدودها المشتركة التي يبلغ طولها 4300 كيلومتر (2672 ميلا) مع الصين، بل سيجعل موسكو أيضا شريكا أقل فائدة لبكين لمواجهة الولايات المتحدة - والأسوأ من ذلك، أنه قد يؤدي إلى ظهور نظام أكثر انفتاحا على الغرب وأقل ودا مع الصين.
وقال وين تي سونغ، أستاذ العلوم السياسية في برنامج دراسات تايوان التابع للجامعة الوطنية الأسترالية، إن بكين من المحتمل أن تكون قلقة بشأن إضعاف بوتين.
وأضاف: "من المحتمل أن تخشى الصين تأثير الدومينو: إذا سقطت روسيا، فقد تكون الصين هي التالية، بالنسبة للصين، تعتبر روسيا (البوتينية) بمثابة وسادة مفيدة جيوسياسيا وأيديولوجيا".
هذا الشعور بالتكافل السياسي واضح في المناقشات الصينية حول الاضطرابات الروسية، التي هيمنت على وسائل التواصل الاجتماعي الخاضعة لسيطرة شديدة في الصين، خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث استشهد الكثيرون بالمصطلح الصيني: "إذا اختفت الشفاه، ستكون الأسنان باردة".
في غضون ذلك، سعت وسائل الإعلام الحكومية الصينية إلى التأكيد على استمرار الاستقرار داخل روسيا وتصوير بوتين في صورة إيجابية، بحسب ما قال سونغ.
وخلال الأشهر الأخيرة، سعت بكين إلى تقديم نفسها كوسيط سلام في محاولة لإصلاح العلاقات مع أوروبا، لكنها واصلت أيضا تعميق العلاقات مع موسكو.
ففي مارس/ أذار الماضي، قدم شي وبوتين تأكيدا قويا على تقاربهما عبر مجموعة من القضايا، وانعدام الثقة المشترك في الولايات المتحدة، وذلك خلال أول زيارة للزعيم الصيني لروسيا منذ الغزو.
وقال شي لبوتين أثناء توديعه عند باب الكرملين: "في الوقت الحالي، هناك تغييرات- لم نشهد مثلها منذ 100 عام- ونحن من نقود هذه التغييرات معا".