(CNN)-- قالت مصادر، لشبكة CNN، إن مجتمع الاستخبارات الأمريكي شعر بحذر عميق بشأن الولاية الثانية للرئيس المنتخب دونالد ترامب، وغذت ذكريات العلاقة العدائية التي كانت بين وكالات الاستخبارات وترامب في ولايته الأولى هذا القلق.
ولكن عندما انتشرت الأخبار، مساء الثلاثاء، عن أن ترامب اختار جون راتكليف، المدير السابق للاستخبارات الوطنية، كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، كان بعض المسؤولين متفائلين بحذر، ورأوا في راتكليف خيارا احترافيا إلى حد كبير وربما أقل إزعاجا من بعض المسؤولين السابقين الآخرين الذين يُعتقد أنهم كانوا قيد الدراسة بشأن تولي هذا المنصب.
وقال أحد مسؤولي الاستخبارات: "هذا الاختيار أفضل ما يمكن أن يكون عليه الأمر"، وذكر مسؤول استخباراتي ثالث: "كان من الممكن أن يكون الأمر أسوأ بكثير".
حذر المسؤولون الحاليون والسابقون من افتراض أن مجتمع الاستخبارات يعارض ترامب بشكل موحد، ففي جميع الوكالات الـ18 التي تشكل مجتمع الاستخبارات، بما في ذلك شريحة واسعة من آلاف المحللين والعاملين، هناك الكثير ممن يدعمونه ومن المرجح أن يرحبوا بعودته.
وقال أحد كبار المسؤولين السابقين: "مجتمع الاستخبارات ليس كتلة واحدة".
ومع ذلك، لا يزال هناك قلق متزايد من أن ترامب سوف يتجاهل المعايير البيروقراطية والتقاليد الثقافية.
وقال مسؤول، لـ CNN: "يعرف المحللون وغيرهم من الموظفين ما نحن مقبلون عليه"، وذكر آخر في وكالة أخرى: "لقد فعلنا هذا من قبل".
ويشعر بعض المسؤولين بالقلق بشأن وظائفهم في ظل رئيس تعهد بـ"تطهير" مجتمع الاستخبارات، ويخشى آخرون أن يعرض ترامب الأمن القومي الأمريكي للخطر من خلال مضاعفة ما اعتبره بعض المسؤولين المهنيين نهجا "متهورا" تجاه أكثر أسرار أمريكا حماية، بما في ذلك قراره بتخزين صناديق من الوثائق السرية في منتجعه مار إيه لاغو.
ولكن هناك أيضا ضغوط العمل مع ترامب: فبالنسبة للبيروقراطية التي اعتادت على عملية بطيئة بشكل متعمد ومزعج في بعض الأحيان لوضع السياسات، فإن عادة ترامب في التغريد بشأن القرارات الأمنية الرئيسية خلال فترة ولايته الأولى غالبا ما أدت إلى بيئة عمل فوضوية وغير متوقعة.
ومن المعروف أن المسؤولين واجهوا صعوبة في الحفاظ على انتباهه أثناء إعلامه بالإحاطات الاستخبارية، وقال أحد المسؤولين الذين عملوا في إدارة ترامب الأولى إن الأمر كان "مجهدا".
وقال أحد المسؤولين إنه "لا شك في وجود الكثير من مسؤولي الاستخبارات الذين يفضلون وجود رئيس مختلف لتلقي الإحاطة".
وأكد أحد مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية: "نحن ملتزمون بضمان انتقال سلس للسلطة".
"هل سيقف في وجه ترامب؟"
كان بعض المسؤولين المهنيين يخشون أن يعين ترامب كاش باتيل مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، وبرز هذا الموظف الجمهوري السابق في الكونغرس خلال إدارة ترامب الأولى، وعمل على رفع السرية عن معلومات استخباراتية تتعلق بروسيا والتي يعتقد ترامب أنها ستكشف عن مخالفات في مجتمع الاستخبارات.
وقال مسؤول سابق إن ترامب أوضح باختيار راتكليف أنه لا يزال مهووسًا بمظالمه تجاه مجتمع الاستخبارات، وخاصة التقييم بأن روسيا تدخلت في انتخابات 2016 لمحاولة لانتخاب ترامب.
وكان راتكليف من بين مجموعة من المسؤولين في إدارة ترامب الذين سعوا بقوة إلى الإفراج عن معلومات استخباراتية تتعلق بروسيا ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وأثار هذا قلق المسؤولين خشية الكشف عن "مصادر وأساليب" مجتمع الاستخبارات الثمينة لجمع المعلومات وحتى بعض المعينين السياسيين لترامب، بما في ذلك مديرة وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك جينا هاسبيل، تصدوا لتلك المحاولات.
كان بعض المسؤولين قلقين من أن ترامب قد يسعى إلى استئناف هذه المحاولات وهم الآن يراقبون عن كثب من يختاره الرئيس كمدير للاستخبارات الوطنية ونائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية وهو الدور الذي لا يتطلب موافقة مجلس الشيوخ.
وبدا راتكليف في بعض الأحيان وكأن موقفه وسطى بشأن هذه القضية، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2020، عندما كان مديرا للاستخبارات الوطنية، عمل المدعي العام آنذاك ويليام بار معه لثني ترامب عن رفع السرية عن جزء على الأقل من المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بروسيا، بحجة أن ذلك من شأنه أن يلحق الضرر بالأمن القومي، وفقًا لما ذكرته CNN سابقا.
وقال أحد المسؤولين السابقين: "لقد تبين أنه أفضل من المتوقع في مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، حيث اهتم بشؤون الاستخبارات وبدا وكأنه يريد القيادة وعدم إثارة الجدل، ولم يأت راتكليف راغبا أو ناويا إلحاق الضرر بمجتمع الاستخبارات".
ولكن في مهنة ينظر فيها محترفو الاستخبارات إلى وظائفهم باعتبارها "قول الحقيقة للسلطة"، وخاصة للرئيس، هناك قلق من أن يستسلم راتكليف للطريقة التي يفضلها ترامب.
ويعتقد مسؤولو إدارة ترامب على نطاق واسع أن البيروقراطية الراسخة من موظفي الخدمة المدنية، والمقصود بها اتباع الاتجاه السياسي الذي يحدده المعينون السياسيون- أصبحت قوية للغاية، ويشكون من أن المسؤولين غالبا ما يتجاوزون نطاق اختصاصهم لإبطاء أو إحباط التوجيهات من الرئيس ترامب آنذاك لمجرد أنهم لم يحبوها خلال إدارته الأولى.
وقال أحد المسؤولين السابقين الذين عملوا مع باتيل خلال إدارة ترامب الأولى: "لديك أشخاص لا يفعلون عمدا ما يُطلب منهم، أولا يحاولون تنفيذ سياسات الرئيس لأنهم يختلفون معها شخصيا".
وبالنسبة لبعض الأشخاص داخل مجتمع الاستخبارات، بطبيعة الحال، كان هؤلاء المسؤولون يقدمون رقابة مهمة على رئيس غير مهتم باتباع القواعد أو القوانين.
"قصص الحرب" لترامب
ولا تزال ذكريات إدارة ترامب الأولى المضطربة حاضرة في أذهان العديد من المسؤولين، وقال أحد كبار مسؤولي الاستخبارات إن بعض المحاربين القدامى في مكتبه رووا "قصص حرب" في صباح اليوم التالي للانتخابات.
ففي عدة مناسبات، أثار ترامب قلق بعض المسؤولين بشأن كيفية تعامله مع المعلومات السرية، وليس فقط بقراره الاحتفاظ بوثائق سرية للغاية في منتجعه في فلوريدا بعد مغادرته البيت الأبيض.
وفي2017، اتُهم بالكشف عن معلومات استخباراتية إسرائيلية شديدة الحساسية لكبار المسؤولين الروس خلال جلسة في المكتب البيضاوي.
وفي 2019، غرد بصورة سرية لموقع إطلاق صواريخ إيرانية التقطها قمر صناعي أمريكي، وكانت الاستخبارات تريد الحفاظ على تلك الإمكانية لغزا لخصوم أمريكا.
وكان معروفًا عن ترامب رفضه للتقييمات التي لا تتناسب مع رؤيته الخاصة للعالم، وأشهرها رفضه إجماع الاستخبارات بشأن تورط روسيا في انتخابات 2016، ونتيجة لذلك، أطلعه مسؤولو الاستخبارات بشكل أقل على الموضوعات التي كانوا يعرفون أنها ستثير مقاومته.
وقال المسؤولون الحاليون والسابقون الذين خدموا خلال إدارته الأولى إنهم قلقون للغاية من أن العودة إلى هذا النهج ستؤدي إلى قيام الدول الحليفة بمشاركة معلومات أقل مع الولايات المتحدة، وتسييس تقييمات المحللين، والتي كانت تهدف تقليديا إلى تقديم أحكام غير متأثرة بالحسابات السياسية.
ويخشى البعض ما يقولون إنه "قلة الخبرة النسبية" بشأن مجتمع الاستخبارات لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الجديد، فقد خدم راتكليف، المحامي وعضو مجلس النواب حتى 2020، أقل من عام كمدير للاستخبارات الوطنية.
وهو يحل محل ويليام بيرنز، الدبلوماسي المهني في وزارة الخارجية الذي يتمتع بعقود من الخبرة في العمل جنبا إلى جنب مع مجتمع الاستخبارات بشأن قضايا حساسة مثل روسيا والاتفاق النووي الإيراني.
ولكن قال العديد من مسؤولي الاستخبارات الحاليين لـ CNN، إن الاهتمام الأكثر إلحاحا هو وظائفهم.
وكان ترامب وعد بـ"تطهير جميع الجهات الفاعلة الفاسدة في أجهزة الأمن والاستخبارات"، وهو ما من المتوقع أن يفعله من خلال إعادة تصنيف جزء كبير من القوى العاملة المدنية لتسهيل فصلهم.
وقال مسؤول استخباراتي كبير سابق لا يزال على اتصال بزملاء سابقين: "الناس قلقون حقا بشأن فقدان وظائفهم".
وذكر المسؤول السابق ومسؤول استخباراتي أمريكي كبير آخر أن هذا الخوف يشكل خطرًا محتملاً ليس فقط على الموظفين، ولكن أيضًا على الأمن القومي، حيث بدأ المحللون في "الرقابة الذاتية" خوفاً من إثارة غضب الرئيس وفقدان وظائفهم، وقد يؤدي ذلك إلى نوع من التحليلات الرديئة، والتحذيرات الخاطئة، والمنطق الخاطئ الذي يشير إليه المسؤولون باسم "فشل الاستخبارات".
والمثال الكلاسيكي على ذلك هو الحكم الخاطئ الذي أصدرته الاستخبارات المركزية بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وهو ما يشير إليه الباحثون في الاستخبارات باعتباره "النتيجة الطبيعية لتسييس الاستخبارات".
وأصبح هذا التقييم الأساس الذي استندت إليه إدارة بوش في شن الحرب على العراق.