دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- "بيت التوت" قد يشي الإسم بشجرة توت ضخمة تفيئ بيت العائلة في العاصمة اليمنية، صنعاء. يعتلي الأولاد أغصانها، يقطفون ثمارها التي تشبه عناقيد العنب الصغيرة، ويتذوقون حبيباتها القرمزية اللون، بنشوة بريئة، كأنهم يتذوقون هذه الثمار للمرة الأولى.
اقرأ أيضا..محمد خان: "فتاة المصنع" دعوة لتحرير المرأة
ويأخذنا الفيلم اليمني الوثائقي "بيت التوت" والذي حظي على دعم "إنجاز" وعرض في الدورة العاشرة لـ"مهرجان دبي السينمائي الدولي" في جولة، مع مخرجة الفيلم اليمنية البريطانية سارة إسحاق، التي غادرت اليمن وهي فتاة يافعة لم تعد تطيق العيش تحت ضغوط الحياة، فقررت وهي ابنة لأب يمني وأم اسكتلندية أن ترحل الى اسكتلندا حيث تعيش والدتها.
اقرأ أيضا..المخرج السوري محمد ملص: لا أحد يحمي الإنسان الحر
وكان لوالدها شرط وحيد، وهو أن تحافظ ابنته على هويتها اليمنية، وهكذا فإنها قطعت وعداً وهي في السابعة عشر من عمرها، بأن لا تنفصل أبداً عن جذور وطنها الأم، اليمن. ولكن الإبنة المتمردة، على التقاليد والعادات، لم تقوَ على الوفاء بوعدها، وعادت بعد 10 سنوات من رحيلها إلى اليمن، في رحلة استكشاف جديدة، للمجتمع الذي تركته والعائلة، وهي نموذج الاسرة اليمنية، التقليدية من الطبقة الوسطى، التي انفصلت عنها، وبيت التوت العتيق حيث يهتم جدها بأصغر تفاصيله.
اقرأ أيضا.."سلم إلى دمشق".. هواجس الموت والتوق إلى الحرية
ويبدأ الفيلم بالتصوير في شباط/فراير العام 2011، في موسم التوت تحديداً، بصوت أنثوي لإحدى قريبات سارة وهي تتساءل "يجب أن تكون العلاقة بين المرأة والرجل طبيعية، لماذا يتم الفصل بينهما؟
اقرأ أيضا..مخرجون إماراتيون يرسمون بصمتهم في "مهرجان دبي السينمائي"
وتأخذنا سارة من بعدها، لإكتشاف سيرتها الذاتية عبر تطور العلاقة بينها وبين والدها بعد غياب طويل. ولكن هذا لا يمنع في بعض اللحظات من أن تعلو حدة الحوار بينهما والتي تتمحور حول ظاهرة مستشرسة في اليمن أي الزواج المبكر للفتيات، إذ تقول سارة "كنت صغيرة قبل أن أذهب إلى بريطانيا، أردت تزويجي وعمري 15 سنة. قلت لك: والدي هذا الشخص كبير في السن وأصلع، فأجبتني أن الحب يأتي مع الوقت."
اقرأ أيضا..بن معاطي: وسائل التواصل الاجتماعي انتهت بتونس
ولكن الأب يبدو كأنه أعاد التفكير بموقفه، بدا منفتحاً ومرحاً، وقابلاً للحوار، إذ يؤيد ضرورة عدم إكراه الفتيات على الزواج المبكر، بعكس السائد في اليمن. وهنا تلتقط الكاميرا، شقيقة سارة وترصد موقفها المعلن: "البنت التي تكره نفسها تتزوج."
اقرأ أيضا..فيلم "أولاد عمار" ينقل ثورة تونس من الافتراضي للواقع
وتتفاجأ سارة أيضاً بأنها عادت لتجد عائلتها وبلدها على حافة ثورة في ربيع العام 2011، ضد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. وسرعان ما تتحمس العائلة للثورة، فيطهو أفرادها وجبات الطعام للثوار في ساحة التغيير في صنعاء. وترصد الكاميرا والدها وهو يقول "هه الثورة فرقت بين الباطل والحق، هذا الرجل (علي عبدالله صالح) علم إبليس،لا يوجد أخبث منه."
اقرأ أيضا..مارتن شين من دبي: رسبت عمداً لأحقق شغفي بالتمثيل
وتبدو سارة في وسط الثورة، منشغلة بأدق تفاصيلها، إذ تخرج لتصوير التظاهرات ومآتم الشهداء، وتصبح شاهدة عيان عما يحصل في بلدها، من خلال تعاونها مع هيئة الإذاعة البريطانية.
اقرأ أيضا..المخرج اللبناني محمود قعبور: الجالية العمالية مهمشة بالإمارات
تشارك سارة في التظاهرات، حيث تعلو الأصوات "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"يا يمنية ثوري ثوري على صالح الديكتاتوري." ويعلق والدها قائلا: "أنا أشعر بالفخر، لأنك شاركت بالميدان."
وفي المشاهد الأخيرة في الفيلم، يبدو أن العائلة التي ترمز بشكل مصغر إلى المجتمع اليمني لم تشعر بالرضى من نتائج الثورة، إذ يشير الوالد إلى أن "المتظاهرين كانوا يجب أن يصرخوا: اعتصام اعتصام حتى يسقط الفساد، لأن النظام ليس العنصر الفاسد الوحيد في البلد. أنا أبكي على الشباب الذين قضوا في تظاهرات لأنهم ماتوا ليس للسبب الذي ناضلوا من أجله. الثورة لم تنتهي، الثورة يجب أن تنتهي، عندما ينتهي الفساد ولكن الفساد ما زال موجود."
اقرأ أيضا.."بطل المخيم": فقراء آسيا يبنون مدن أحلام بالخليج
ورغم تأرجحها بين الرمادية، وبعض الرضى الذاتي عما تم إنجازه حتى لو كان قليلا، إلا أن الفيلم يؤكد في النهاية على أن الثورة اليمنية أفرزت الكثير من المواهب، وعززت من الحوار والنقاش، داخل البيت الواحد وخارجه. هذه هي مفردات الثورة، وهذه ايجابيتها.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.