بعد اسبوعين من احتجازه امام رقيب المطبوعات في دائرة المطبوعات والنشر بالأردن، من المنتظر ان يحول كتاب " الأساطير والأحلام المؤسسة للعقل الاسلامي" مؤلفه، نبال خماش، الى دائرة الافتاء أو وزارة الأوقاف لاتخاذ قرارا بشأن نشره، إجازة أو منعا.
وفي حال اتخذت دائرة المطبوعات مثل هذا القرار، فانها تكون بذلك خالفت القانون الذي تعمل هي ذاتها من خلاله، باعتبار أنها الدائرة الوحيدة صاحبة الولاية في اجازة الكتب أو منعها.
كما أن تحويلها الكتاب الى أي من المؤسسات أو الدوائر الدينية، هو بمثابة اصدار حكم أولي بمصادرة الكتاب ومنعه من التداول، وذلك في الوقت الذي لا زالت تعلن فيه المؤسسة الأردنية الرسمية وجود أطر ضامنة بحرية التعبير والرأي، وأن مجالات حرية الاختلاف ووجهات النظر مفتوحة، خصوصا اذا كانت هذه الحرية معتمدة على تأصيل علمي راسخ ليس من السهل زعزعته أو التشكيك بمصداقيته.
رسالة من قائد طالباني إلى ملالا: لهذا حاولوا قتلك
والكتاب الذي يقع في 410 صفحة من القطع المتوسط، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات في بيروت/ 2013، هو محاولة فهم اللحظات الافتتاحية الأولى للتاريخ الاسلامي، التي تعرضت، وعلى نحو مقصود وممنهج، وفقا لرأي الكاتب، لازاحة مجمل أحداثها عن المسار الطبيعي والحقيقي، واحالة الحدث الزمني الطبيعي لهذه الحقبة الى عالم الخوارق والفضاء الأسطوري الخيالي.
مسمار في نعش الربيع العربي... ما مستقبل مصر؟
وقد تحقق الفوز والانتصار المعرفي لهذه المنهجية، بعد نزاعات فكرية طويلة بين مدرستين: المدرسة المشيخية الأصولية، والمدرسة الاسلامية التنويرية، التي لم تعترف ولم تقر إلا بالحدث التاريخي الزمني.
بثينة كامل: نظام الإخوان فقد شرعيته بلا رجعة
أما مجمل المرويات للأحداث المفارقة الخارقة، فاعتبرها رموز هذه المدرسة من الفقهاء والفلاسفة الكبار، مجرد أكاذيب وافتراءات على الشخصية المحمدية، بل ذهب أحد مؤسسي المدارس الفقهية في الأندلس الى درجة القول إن هذه المرويات والأحداث، "خرافات موضوعة نقلها كل كذاب."
على خطى لورنس العرب بصحراء الأردن
الكتاب يحتوي على فصلين، الأول مخصص لتسعة أحداث خارقة، يجري تناولها في الفكر الإسلامي باعتبارها حقائق موازية للعالم الواقعي والزماني.
في لبنان.. كتب التاريخ توقفت عن الكتابة عند 1943
وقد تناول الكاتب كافة النصوص التاريخية المرتبطة بهذه الأحداث، من مصادرها التراثية الموسومة بالثقة والمصداقية لدى عموم العقل الاسلامي، وكان العمل التحليلي لهذه النصوص يعتمد عل منهجية مقابلتها بالمقاطع القرآنية ذات الصلة المفترضة بهذه الأحداث، ليتضح للكاتب حجم الفروق والتعارضات الدلالاية بين النص القرآني بواقعية نظرته وسرده المتوافق مع حقائق التجربة البشرية، ومجمل النصوص الدينية بصيغتها البشرية المتعلقة بهذه الأحداث، والتي جرى تناولها من خلال هذه النصوص على نحو مشبع من المبالغات والأسطرة.
غسّان مسعود: سوريا لا تختصر بلونين فقط
بالاضافة الى التعارض المعرفي والدلالي بين النص القرآني والمرويات الدينية بصيغتها البشرية، تطرق الكاتب ذات النصوص الدينية بصيغتها البشرية المرتبطة بمجال الدرس، وتناولها في التحليل ضمن مستوياتها: اللغوية/ السيميائية، التاريخية، الفلسفية، المجتمعية، الدينية، وأظهرت نتائج التحليل في مرات كثيرة حجم التخريب والتحريف المتعمد الذي تعرض له مجمل التاريخ الاسلامي، خصوصا في عهده التأسيسي.
إطلاق "اللحية".. صورة جديدة للمصريين بعد الثورة
أما الفصل الثاني، فخصصه الكاتب لموضوع الأحلام، وتظهر صفحات الكتاب التأثيرات العميقة والخطيرة التي خلفتها هذه الحالة الانسانية الطبيعية، على العقل الاسلامي، بحيث لم تغادر هذه الظاهرة أي من اللحظات التاريخية الكبرى، أو المعرفية، أو التشريعية إلا وكانت حاضرة على نحو نشط فيها.
كاشغري وجدل الدين والسياسة والعنصرية بالسعودية
ويوثق لنا التاريخ الاسلامي عددا وافرا من الأحداث المهمة، والتي انبثقت وتشكلت نتيجة رؤيا/ حلم. فهناك تشريعات وطقوس دينية معمول بها الى يومنا هذا ولا يعلم غالبية المسلمين أن أصل تحققها ومنبع اقرارها كان في عالم الأحلام.
لماذا ما يزال العرب عالقين في الماضي؟
كما أن تحولات ثقافية كبرى لرموز سياسية ومعرفية جرت في الواقع نتيجة حلم، كتب ومؤلفات اسلامية لا زالت متداولة بين أيدي المسلمين الى يومنا هذا، جرى تأليفها في عالم الأحلام منذ أكثر من ألف عام، عملية تصحيح للأحاديث النبوية جرت في عالم الأحلام، مدن جرى عميرها وفق اشارات من عالم الأحلام.
رأي القراء في قضية "فتاة البريدة"
هذه الفاعلية المؤثرة للحلم في التاريخ الاسلامي أوصلت الكاتب الى استخلاص أن الحلم، أو عملية النوم بالمجمل، كانت حالة فاعلة ومؤثرة في عموم الظاهرة الاسلامية، بحيث يغدو من الصعب التفريق بين الواقع والحلم.
ملاحظة: وجهة النظر الواردة تعكس رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي CNN بالعربية.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.