الإدمان على الأطعمة فائقة المعالجة "كاد يقتلني".. لماذا؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كان جيفري أودوازني البالغ من العمر 54 عامًا من شيكاغو، مدمنًا على الأطعمة فائقة المعالجة منذ طفولته.
وقال أودوازني الذي شغل في الماضي منصب مشرف مستودع لـCNN: "لقد كنت مدفوعًا لتناول الكثير من الطعام، ورغم أني كنت أفرط بتناول الطعام الصحي، لكن ما كان يجذبني السكاكر، وقوالب الحلوى، والفطائر، والمثلجات".
وأردف: "لقد انجذبت حقيقة نحو الأطعمة السكرية فائقة المعالجة، وكأنه دافع جسدي ملح كي أحصل عليها".
وتابع: "كان والداي يجدان أكياسًا ضخمة مليئة بأغلفة الحلوى، مخبأة في خزانة ملابسي. كنت أسرق السلع من المتاجر عندما كنت طفلاً، وبعد ذلك كشخص بالغ".
وتشير الأبحاث إلى أنّ حوالي 12% من نحو 73 مليون طفل ومراهق في الولايات المتحدة يعانون اليوم من إدمان غذائي مماثل. لكي يتم تشخيص المرض، على الأطفال استيفاء معايير مقياس ييل للإدمان على الطعام الصارمة، على غرار اضطراب تعاطي الكحول، أو أنواع الإدمان الأخرى.
وقالت آشلي غيرهاردت، أستاذة علم النفس في جامعة ميتشيغان بآن أربور، التي أجرت البحث وطوّرت مقياس الإدمان في جامعة ييل: "يفقد الأطفال السيطرة على أنفسهم ويتناولون الطعام حدّ الشعور بمرض جسدي".
ووصفت غيرهاردت حالة هؤلاء الأطفال، بأنّ "لديهم رغبة شديدة بتناول الأطعمة المعالجة، وربّما يتسلّلون، أو يسرقون، أو يخفونها".
وتابعت أنهم حتى "قد يتوقفون عن الخروج مع الأصدقاء، أو القيام بالأنشطة الأخرى التي اعتادوا الاستمتاع بها من أجل البقاء في المنزل وتناول الطعام، أو يشعرون بالتباطؤ الشديد بسبب الإفراط في تناول الطعام فلا يتمكنون من المشاركة بأنشطة أخرى".
ويظهر بحثها أيضًا أن حوالي 14% من البالغين مدمنون سريريًا على الطعام، وغالبًا الأطعمة فائقة المعالجة التي تحتوي على مستويات أعلى من السكر، والملح، والدهون، والمواد المضافة.
للمقارنة، تم تشخيص إصابة 10.5% من الأمريكيين الذين تبلغ أعمارهم 12 عامًا وما فوق باضطراب تعاطي الكحول عام 2022، وفق المسح الوطني حول تعاطي المخدرات والصحة.
وفي حين أن العديد من الأشخاص المدمنين على الطعام سيقولون أنّ أعراضهم بدأت تتفاقم بشكل ملحوظ في مرحلة المراهقة، يتذكر البعض طفولتهم التي ركزت على الأطعمة فائقة المعالجة.
وأوضحت غيرهاردت أنه "في السنة الثانية أو الثالثة من العمر، يرجح أن يتناول الأطفال المزيد من الأطعمة فائقة المعالجة في أي يوم عوض الفاكهة أو الخضار، لا سيّما إذا كانوا فقراء، وليس لدى أسرهم ما يكفي من المال للحصول على ما يكفي من الطعام الجيد لتناوله"، لافتة إلى أن "الأطعمة فائقة المعالجة بخثة الثمن وموجودة في كل مكان، لذا فهذه أيضًا قضية تتعلق بالعدالة الاجتماعية".
وقال ديفيد ويس، اختصاصي تغذية مسجل في لوس أنجلوس متخصص بعلاج الإدمان على الأطعمة، إن المأكولات فائقة المعالجة يمكن أن تختطف دائرة نظام المكافأة في الدماغ الشاب، ما يجعل اللوزة الدماغية المسؤولة عن ذلك، بتجاوز قشرة الفص الجبهي حيث يحدث اتخاذ القرار العقلاني في علاج الإدمان على الطعام.
وقال ويس: "إن الإدمان على الطعام فائق المعالجة يعلّم الدماغ الشاب ما يمكن توقعه من الطعام، مثل مقدار مكافأة السكر التي يجب أن يحصل عليها المرء من تناول وجبة خفيفة"، الأمر الذي يجعل الخيارات الصحية أقل جاذبية.
وأضاف: "يستحيل تقريبًا على طفل، أو مراهق يبلغ من العمر 14 أو 15 عامًا، أن يتمكن من تجاوز كل هذه البيولوجيا لفترة طويلة جدًا".
لا يتفق معهد تقنيي الأغذية، وهو رابطة لمحترفي وتقنيي الأغذية (IFT)، مع نتائج الأبحاث المتعلقة بإدمان الأطعمة فائقة المعالجة.
"هذا الاضطراب كاد يقتلني"
وقال أودوازني إن التجارب المؤلمة التي تعرّض لها في مرحلة الطفولة المبكرة ساعدت على تحفيز وتغذية إدمانه على الأطعمة فائقة المعالجة.
بداية، اعتقد والداه أنّ إفراطه بتناول الطعام أمر مضحك. لكن عندما كبر، لجآ إلى وضع أقفال على الثلاجة وخزائن المطبخ. وكان في كثير من الأحيان يخجل عند تناوله الطعام.
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل لقّبه أهله بأسماء مخزية كثيرة.
لقد سيطر هذا النوع من الخلل على حياته. فكان قبل الانتهاء من وجبته فائقة المعالجة، يفكر في مكان العثور على الوجبة التالية. وبحلول عام 2016، بلغ إدمانه على الطعام أسوأ الحالات.
وعلّق: "كنت أسرق الطعام، أو آكل الطعام المحروق، أو الفاسد.. فمرضت غالبًا واضطررت للذهاب إلى المستشفى".
الدماغ المدمن على الطعام
إن تناول كميات أكبر من الأطعمة فائقة المعالجة يزيد من خطر السمنة المفرطة، وتطور الحالات المزمنة ضمنًا السرطان، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسمنة المفرطة، والسكري من النوع الثاني، والاكتئاب.
لكن الكثير من الناس يجدون صعوبة في التوقف عن تناول الأطعمة الجاهزة فائقة المعالجة مثل النقانق، والبطاطس المقلية، والمقرمشات، والبيتزا المجمدة، والنقانق، والمشروبات الغازية، والكعك، والحلوى، والآيس كريم.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، غالبًا ما تحتوي الأطعمة فائقة المعالجة على نكهات وقوام مختلف، و"إضافات تكون وظيفتها جعل المنتج النهائي مستساغًا أو أكثر جاذبية".
وأوضحت غيرهاردت أن إضافة الكثير من الملح يحسّن النكهة. للسكر تأثير قوي جدًا حد أنه يستخدم كبديل لمسكنات الألم في العمليات الجراحية البسيطة للأطفال.
وفي الواقع، تشير الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى أنّ مستويات السكر في الأطعمة فائقة المعالجة قد تسبب الإدمان إسوة بالكحول أو التبغ.
ولفتت غيرهاردت إلى أنّ "السكر ينتج ذات كمية إطلاق الدوبامين الخاصة بالنيكوتين والإيثانول، بحوالي 150٪ إلى 200٪ فوق خط الأساس". وأضافت أن الكوكايين أكثر إدمانا بكثير، بنسبة تتراوح بين 1000% و2000% فوق خط الأساس. رغم ذلك يُفضل غالبًا الطعم الحلو على الكوكايين".
ويسعى صانعو الأغذية فائقة المعالجة إلى تحقيق "نقطة السعادة" هذه من الدوبامين عبر خلطات سرية خاصة من السكر، والدهون، والملح، والنكهات المضافة، التي يقول الخبراء إنها تحفز أساس غرائزنا الحيوانية ألا وهي البقاء.
"المسار الصعب"
كان التغلب على إدمانه على الطعام، ومن ثم الكحول، رحلة شاقة بالنسبة لأودوازني. وفي محاولة للسيطرة على طعامه، خضع لعمليتين جراحيتين لعلاج السمنة المفرطة التي عادةً ما تحقق معدل نجاح مرتفع.
وقال: "أجريت تلك العمليات الجراحية على الجزء الخطأ من جسدي، أي معدتي، لكن اضطراب الأكل الذي أعاني منه موجود هنا في دماغي".
كان أودوازني بائسًا ويعاني من زيادة الوزن لدرجة أنه لم يعد قادرًا على القيام بعمله، وأصيب بإعاقة قصيرة الأمد إلى أن وجد أخيرًا برنامجا يجمع بين العلاج التقليدي لاضطراب الشراهة عند تناول الطعام مع علاج للإدمان على الطعام.
وأشار أودوازني إلى أن الاستماع إلى المرضى والموظفين الآخرين يتحدثون عن مشاكلهم الخاصة مع الطعام شكل تحولا بحياته.
وقالت الدكتورة كيمبرلي دينيس، اختصاصية إدمان الغذاء، والمؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية والمديرة الطبية لشركة SunCloud Health في شيكاغو، حيث يتلقى أودوازني العلاج، إن البرنامج الذي يتضمن تدخلات لإدمان الطعام مع علاج اضطرابات الأكل المقيدة جديد نسبيًا ومثير للجدل إلى حد ما.
وشرحت دينيس، الأستاذة المساعدة الإكلينيكية في الطب النفسي بكلية الطب في جامعة إلينوي بشيكاغو: "يركز علاج اضطراب الأكل المقيد، مثل الشراهة عند تناول الطعام أو الشره المرضي، على مساعدة الشخص على التغلب على أي نفور من الطعام".
وأشارت دينيس إلى أن مثل هذا العلاج يشكل المعيار الذهبي لشخص يتجنب الطعام ويعاني من سوء التغذية، فالذي يتعافى من إدمان الطعام واضطراب الشراهة سيكون تحديًا له ألا يأكل الطعام الذي يحب. إنه بمثابة تحدي".
اليوم، أودوازني يتعافى ويدرس كي يصبح مستشارًا معتمدًا للكحول والمخدرات في منطقة شيكاغو. وهو ينسب الكثير من نجاحه إلى زوجته كيمي، التي التقى بها خلال جائحة "كوفيد-19" أثناء حضوره مجموعات الدعم في SunCloud.