إيذاء النفس غير الانتحاري..من هي فئة الأشخاص الأكثر عرضة له؟

نشر
9 دقائق قراءة
ارتفعت زيارات أقسام الطوارئ بسبب إيذاء النفس منذ انتشار الجائحة. يشرح الخبراء العوامل النفسية وراء هذا السلوك وكيفية التغلب عليه.Credit: Liudmila Chernetska/iStockphoto/Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قد يكون إيذاء النفس غير الانتحاري محاولة يائسة للشباب بهدف الحد من مشاعر الغضب، والحزن، والذنب، والعار التي تتملّك بعض الشباب والسيطرة عليها. إذ تتبادر إلى أذهان هؤلاء أفكارًا حول كيفية إيذاء أنفسهم نتيجة الظروف الصعبة التي يختبرونها.

محتوى إعلاني

ما هو إيذاء النفس؟

محتوى إعلاني

يأخذ إيذاء النفس عادةً شكل القطع أو الخدش حتى ينزف الجسم، لكنّه قد يشمل أيضًا الحرق، أو الكدمات، أو حتى كسر العظام عمدًا، بحسب ما قالته الدكتورة جانيس ويتلوك، مؤسّسة ومديرة برنامج كورنيل للأبحاث حول إيذاء النفس والتعافي في جامعة كورنيل بولاية نيويورك. 

وأشار بعض الخبراء إلى هذا السلوك على أنه إيذاء النفس غير الانتحاري، أو NSSI.

وبحسب المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC)، سُجّل عام 2019، 363 ألف زيارة لقسم الطوارئ بسبب إيذاء النفس في الولايات المتحدة. وشهد هذا الرقم انخفاضًا بنسبة 48.5٪ في العام التالي، ومردّ ذلك على الأرجح، وفقًا لويتلوك، يتمثل بالميل لتجنّب الرعاية الطبية بغية عدم إرهاق مقدمي الخدمات الطبية أو المخاطرة بالإصابة بالمرض أثناء جائحة "كوفيد-19".

لكن في عام 2021، سُجّلت 660 ألف زيارة، أي بزيادة تقارب 253٪ عن عام 2020، وارتفاعًا بنسبة 82٪ تقريبًا عن عام 2019. 

ولفتت ويتلوك إلى أنّ هذه الزيادات تتوافق مع تقارير عن ارتفاع معدلات تحديات الصحة العقلية قبل الجائحة، الأمر الذي جعل الأمور أسوأ بالنسبة للعديد من الناس. كما أن القرب من الأحباء أثناء عمليات الإغلاق ربما جعل الأهل أكثر إدراكًا بإيذاء النفس، ما قد يساهم في زيادة زيارات قسم الطوارئ. 

ماذا يدور في رأسهم؟ 

قال الدكتور جيريمي جاميسون، أستاذ ورئيس قسم علم النفس في جامعة روتشستر بولاية نيويورك، إنّ معظم الخبراء يتفقون على أنّ إيذاء النفس هو بمثابة صرخة طلبًا للمساعدة. وينشأ عن محاولة الشخص معالجة التوتر وفشله، 

وأوضحت ميغان التي تبلغ من العمر 35 عامًا الآن، التي اختبرت هذا الأمر في سنّ أصغر،  أنّه إذا كان شخص ما يشعر بالانفصال عن العالم، فقد يؤذي نفسه لمحاولة إعادة الاتصال. وإذا كان شخص ما يشعر بأنه أدنى من إنسان، وهو ما يُعرف علميًا باسم محو الشخصية، فقد يؤذي نفسه ليشعر بأنه إنسان مجددًا. يمكن أن يكون إيذاء النفس أيضًا أحد أشكال معاقبة الذات بين من يشعرون بالذنب أو الخجل، وبالتالي يشعرون أنهم يستحقون الألم الجسدي. 

وبالنسبة للدكتور فيبه فورسيث كوكس، مدير عيادة مارشا إم. لاينهان للعلاج السلوكي الجدلي في جامعة واشنطن بسياتل، يوجد أيضًا تفسير عصبي فسيولوجي لسبب إيذاء الناس لأنفسهم. 

وأوضح أنّ الأمر يتعلق بنظام الأفيون الداخلي في الجسم، وهو نظام كيميائي عصبي له أدوار رئيسية في تعديل الألم والمكافأة واستجابات الإجهاد وغيرها من الأمور. 

عندما يدرك الجسم أنّه يعاني من ضرر، يرسل نظام الأفيون الإندورفين الذي يعمل كمسكنات للألم، حتى يتمكّن الجسم من الهروب من أي خطر. وقال كوكس إن إيذاء النفس يتسبب بالاستجابة ذاتها.

ولفتت ويتلوك إلى أنّ "البيانات تشير  إلى وجود رابط عصبي بين إدراك الألم الجسدي وإدراك الألم العاطفي، فحين يوجد ارتفاع وانخفاض في أحدهما، قد يتواجد ارتفاع وانخفاض في الآخر".

مخاطر إيذاء النفس

وأوضحت ويتلوك أنه عندما يؤذي الناس أنفسهم، فإنهم يخاطرون بالتسبب عن طريق الخطأ، في مشكلة أكثر خطورة، مثل الضرر الذي لا يمكن إصلاحه، أو العدوى التي قد تؤدي إلى الموت.

وبينما أن إيذاء النفس ليس بالضرورة محاولة انتحار، إلا أن البيانات تشير إلى أنه يمكن أن يكون أحيانًا مقدمة للانتحار.

كان معدل الانتحار بين البالغين الذين يقومون بأذية أنفسهم أكبر بـ37 مرة من معدل الانتحار بين عموم السكان، وفقًا لدراسة أجريت في عام 2017. ووجدت ويتلوك في بحثها الخاص أن 65٪ من المراهقين الذين يؤذون أنفسهم يرجح أن يقدموا على الانتحار أيضًا، في مرحلة ما.

ولفتت ويتلوك التي تشغل أيضًا منصب المستشار الأول لمؤسسة JED، وهي منظمة للوقاية من الانتحار والصحة العقلية في بوسطن، إلى أنّ "الفعل ذاته المتمثّل بالانخراط في إيذاء النفس، يُقلّل من تثبيط السلوك الانتحاري إذا أصبح الشخص لديه أفكار انتحارية. كما أن ممارسة" إيذاء الجسم بشكل متكرر يجعل من السهل إيذاء الجسم بنية الانتحار".

علاجات فعالة لإيذاء النفس

قال الخبراء إنّ إيذاء النفس، إسوة بالعديد من مشاكل الصحة العقلية، يستغرق وقتًا للعلاج، وعادةً لا يتوقف الأشخاص عن أذية أنفسهم، إلا عندما يتعلّمون مهارات التأقلم الأخرى ويجدون أسبابًا محفّزة للعيش.

وأوضح الخبراء أنّ العلاج السلوكي الجدلي، أو DBT، وهو أحد العلاجات الفعالة. يتم إجراؤه أحيانًا في إعدادات جماعية، وهو مصمم لمساعدة الأشخاص في التغلب على التفكير بالأبيض والأسود، وتطوير مهارات تنظيم المشاعر، والتي تُعد مفتاحًا لإدارة الألم العاطفي بشكل صحي عوض اللجوء إلى عادات مدمرة للذات.

قال كوكس إن إعادة توصيل الدماغ للتفاعل والاستجابة بشكل مختلف يستغرق وقتًا، نحو عامًا أو أكثر.

لكن النتائج يمكن أن تكون مثيرة للإعجاب. بحثت دراسة أجريت في عام 2018 بآثار العلاج السلوكي الجدلي وقارنته بالعلاج الداعم الفردي والجماعي، ومعدلات محاولات الانتحار وإيذاء النفس بين 173 مراهقًا حاولوا الانتحار مرة واحدة بالحد الأدنى من قبل، وكان لديهم ثلاثة معايير أو أكثر لاضطراب الشخصية الحدية (الاضطراب الذي تم إنشاء العلاج السلوكي الجدلي من أجله).

بعد ستة أشهر، تمكن قرابة 57٪ من المشاركين في العلاج السلوكي الجدلي من التوقف عن إيذاء النفس، مقارنة بـ 40٪ ممّن خضعوا للعلاج الداعم الفردي والجماعي. لم يحاول أكثر من 90٪ من المشاركين في العلاج السلوكي الجدلي الانتحار بعد العلاج، مقارنة بنحو 79٪ من المجموعة الأخرى.

بالنسبة لحوالي 93٪ من البالغين في دراسة أجريت عام 2021 في النرويج، فقد ساعدهم العلاج السلوكي الجدلي على التوقف عن إيذاء النفس خلال العام الأول. 

وفي دراسة أخرى نشرت في عام 2015، تم تقييم آثار تدخلات العلاج السلوكي الجدلي المختلفة على عينة شملت 99 امرأة يعانين من اضطراب الشخصية الحدية وواجهن ميولاً انتحارية، حيث شهدت جميع المشاركات تراجعًا في وتيرة إيذاء النفس، ووجدت تلك النساء أسبابًا للعيش بعد عام من العلاج.

الحياة بعد إيذاء النفس

رغم أن النفق الذي يمثل رحلة التوقف عن إيذاء النفس قد يكون طويلاً وصعبًا، إلا أن هناك ضوءًا في نهايته.

وقالت ويتلوك إن بعض العائلات أعربت عن تمنيها بألا يمر أي شخص آخر بهذه التجربة، رغم أن ذلك ساعدهم على التعلم والنمو كعائلة "لأنهم اضطروا إلى التغلب على بعض التحديات المتعلقة بالتواصل والاتصال الحقيقي (أو) أي شيء لم يتم التعامل معه، والذي قد يكون جزءًا من سبب ظهور إيذاء النفس في المقام الأول".

وهذا الأمر صحيح في حالة ميغان، حيث لفتت إلى أن تدوين اليوميات باستخدام قلم حبر أحمر، وفقًا لتوصية معالجها، كان أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لها أيضًا، فقد تم استبدال التحرر العاطفي من رؤية الدم على ذراعيها بالتحرر الرمزي لألمها على الصفحات.

وتدير ميغان حاليًا شركة ناجحة في لاس فيغاس، وتعمل أيضًا كمؤثرة في مجال الموضة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قالت إنها لم تعد تشعر برغبة في إيذاء نفسها، لأنها تعلمت آليات أخرى للتعامل مع الألم.

نشر
محتوى إعلاني