خالد جناحي يكتب لـCNN: المصرفية الإسلامية.. وحالة العقم مع الحلول المالية المبتكرة!

اقتصاد
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير خالد بن عبد العزيز الجناحي
خالد جناحي يكتب لـCNN: المصرفية الإسلامية.. وحالة العقم مع الحلول المالية المبتكرة!
Credit: afp/getty images

مقال للدكتور خالد بن عبد العزيز الجناحي، مستشار مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي والباحث في القضايا الدينية والمصرفية، وهو لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر CNN.

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- مع تنامي تطبيق منظومة الاقتصاد الإسلامي على مستوى المنطقة والعالم برزت مجموعة من التحديات تتعلق بالتمويل الإسلامي بشكل خاص، كونه الرافد الرئيسي للقطاع.  وتتمثل هذه التحديات في ضرورة ابتكار منتجات تمويلية جديدة تلبي متطلبات الأسواق وتحقق جوهر الاقتصاد الإسلامي الملبي لمتطلبات الفرد والمجتمع.

إن المبادئ التي تقوم عليها صناعة التمويل الشرعي تتلخص في تحقيق مبدأ "الغنم بالغرم،" وتحريم الربا والغرر وبيع ما لا يُملك وغيرها من العمليات التي تتعارض مع مبادئ الشرع الحكيم، وتتصادم مع مقاصده وقيمه السامية.  هذه الهندسة المالية الشرعية هي الابتكار الأبرز الذي يميز المؤسسة المالية الإسلامية ويكرس تفوقها.

إن التمويل الموافق للشريعة الإسلامية يكتسب اليوم أهمية أكبر نظرًا لقدرته الاستثنائية على مد جسور الثقة بين المؤسسة المالية وعملائها.  لكن بناء هذه الثقة يتطلب أولًا المبادرة إلى ابتكار منتجات تمويل شرعية آمنة ومتنوعة، تلبي تطلعات مختلف الفئات الاجتماعية.

إن تحقيق هذه المعادلة يضمن للاقتصاد الإسلامي الازدهار والنمو حتى في المجتمعات ذات الغالبية غير المسلمة، خاصة بعد تداعيات الأزمة المالية التي صنعتها منتجات مالية غير آمنة، تعتمد بشكل كبير على صورية العمليات، وتتجنب المشاركة الحقيقية في الربح والخسارة.

وبالشفافية والصدق يمكن للمؤسسات المالية الإسلامية أن تنافس وتزدهر وتتفوق، فلا تلجأ إلى ما يشبه "إعادة تدوير" المنتجات المالية الربوية لصياغتها وتسويقها تحت مسماها "الإسلامي" الجديد.  الأحرى بها أن تستلهم من مبادئ الشريعة الإسلامية، ومن احتياجات شرائح اجتماعية مختلفة، منتجات تسهم في ترميم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي اهتزت بفعل انعدام الثقة بالتعاملات المصرفية بشكل عام، فتضمن عدم تكرار الأزمة المالية وانهيار الاقتصاد.

أما أهم العقبات التي تعترض مسيرة تقدم المصارف الإسلامية وتحد من توسعها فهي من دون شك: نقص التشريعات والقوانين الملائمة لطبيعتها.  إن غالبية القوانين التي تحكم أنشطة المصارف الإسلامية وخاصة التي تنظم معاملاتها قد وضعت على نمط القوانين الغربية التي لا تلائم طبيعة الاستثمار الإسلامي.

لهذه المشكلة حلول كثيرة يدركها خبراء هذا القطاع ومن أهمها: تشكيل هيئة شرعية مركزية موحدة، تسن القوانين الإيجابية المتلائمة مع أحكام الشريعة الإسلامية، على أن يتم ذلك بدعم من الجهات التي تنظم أنشطة المؤسسات المالية الإسلامية، التي يمكنها المساهمة في عملية تطوير الأسواق المالية الإسلامية، عبر ترخيص المنتجات المالية الإسلامية وسن القوانين واللوائح المنظمة لهذا القطاع الحيوي المهم.

وعلى الرغم من أن هناك محاولات في الآونة الأخيرة من المؤسسات المالية الإسلامية لابتكار الصيغ والآليات المصرفية الإسلامية الرصينة، إلا أنها لا تزال بحاجة الى المزيد من الجهد التوجيهي لاستخراج هذه الأدوات المالية شرعية من معين الفقه الإسلامي الغني بالحلول الاقتصادية والمالية، والتي بدورها تساعد على نمو الاقتصاد العام والجزئي، وذلك بالتوفيق بين رسالتها في التنمية وازدهار المجتمع.

يمتلك التمويل الإسلامي العديد من الحلول، مثل مبدأ المشاركة الحقيقية في مختلف أحجام المشاريع - بما في ذلك المهن الصغيرة والمتوسطة - كما يتيح تطوير مشاريع تخدم النمو الاقتصادي وتقدم حلولاً اجتماعية عديدة.

قد يؤدي النقص في أدوات التمويل الإسلامي الملائمة إلى مشكلتين رئيسيتين، الأولى: تتمثل في الاحتفاظ بجزء كبير من الودائع في حالة سيولة نقدية لمواجهة رغبات السحب المفاجئة، والثانية: تتجلى في الاتجاه الى أدوات قليلة المخاطر وقصيرة الأجل مثل صيغ المرابحة –المعاصرة- من هنا على المصارف الإسلامية التمسك بصون رسالة التمويل الإسلامي ونهجه التنموي والاجتماعي، من خلال ابتكار أدوات استثمارية طويلة الأجل وسهلة التسييل، مثل تفعيل منتج السَّلم في مشاريع صناديق الاستثمار.  كما يتوجب عليها تطوير آليات لضخ وامتصاص السيولة، مثل الصكوك والحصص في مشاريع الاستثمار الإنمائية، فلا تنمية بدون استثمار ولا قيمة لأي استثمار إذا لم يحقق التنمية.

ولكي تتمكن المؤسسات المالية الإسلامية الحفاظ على طبيعتها الخاصة وأنشطتها المتوافقة مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، عليها أن تصوغ هويتها الخاصة بالابتكار، وتبدأ التفكير بمنتجات "ما بعد المرابحة"، والابتعاد عن استنساخ المشتقات المالية التقليدية.  ولا ننسى دور المؤسسات التعليمية في دعم وتشجيع الباحثين على الابتكار وتقديم حلول مالية شرعية مبتكرة ومتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

إن التحدي الجديد الذي تواجهه المؤسسات المالية الإسلامية يتمثل في تصحيح الصورة الشائعة المتعلقة بصورية منتجات التمويل المتاحة في المصارف الإسلامية المالية، من خلال توفير حلول تتميز بالمشاركة الحقيقية في الربح والخسارة.

إن من أبرز أهداف استراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي هي العمل والتنسيق مع مختلف الجهات من أجل الارتقاء بالتمويل الإسلامي وتعزيز دوره كرافد للنمو الاقتصادي والاجتماعي من خلال دعم المؤسسات والمصارف الإسلامية وتحفيزها على الابتكار لتوفير نخبة من المنتجات المالية التي تحقق تطلعات العملاء الذين يتنامى عددهم باستمرار.