أجرى الحوار: وليد الحسيني
القاهرة ، مصر (CNN) -- توقعت الخبيرة الاقتصادية وعميدة كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، عالية المهدي، حدوث ارتفاع جديد في الأسعار بمصر خلال الفترة القادمة بسبب مطالب صندوق النقد الدولي في تقريره عن برنامج الإصلاح الإقتصادي في مصر، كما أنها رأت أن الأرقام الصادرة في تقرير الصندوق متضاربة.
وقالت عالية المهدي، في لقاء مع CNN بالعربية، إنه لا يوجد عقل مفكر للإقتصاد المصري، ولا تعرف من يضع السياسات الاقتصادية، وأن ما يطلبه صندوق النقد برفع كل الدعم عن مواد الطاقة سيخلق أزمة أكبر من مشكلة الدعم، مثل مشكلات مستوى المعيشة ومعدل الفقر والتذمر الاجتماعي نتيجة عدم قدرة المواطن على وفاء بتكاليف المعيشة.
وكان هذا نص الحوار:
ما رأيك في تقرير صندوق النقد الدولي الأخير عن برنامج الاصلاح الاقتصادي ؟
صندوق النقد هو صاحب برنامج الإصلاح ويتابعه مع الحكومة المصرية عن كثب، والصندوق بصفة عامة سعيد بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة وأهمها الحد من الدعم وتحرير سعر الصرف ، لكنه يرى أن خطوات الإصلاح لم تسنكمل بعد ، وعلى الدولة المصرية أن تنتهي من عملية رفع دعم الوقود والطاقة بشكل كامل وهو امر صعب .
ما الأثار الاقتصادية التي ستترتب على ما يطلبه صندوق النقد ؟
ستحدث زيادة جديدة في الأسعار، والصندوق لم يكن لديه توقعات حقيقة حول نسبة معدلات التضخم التي تجاوزت كل التوقعات، ولا أعرف كيف يتوقع الصندوق في تقريره الأخير أن ينخفض معدل التضخم إلى حوالي 10% ، في الوقت الذي ستحدث زيادة كبيرة في الأسعار بعد رفع الدعم عن مواد الطاقة، وهذا كلام متضارب لأن مواد الطاقة سترتفع ما بين 30 – 40 %، وهذا سيرفع معدل التضخم.
هل مصر تحتمل ارتفاعا جديدا في أسعار الطاقة؟
أرى أن ذلك يمثل ضغطا كبيرا على الاقتصاد المصري، ورفع كل الدعم عن مواد الطاقة سيخلق أزمة أكبر من مشكلة الدعم، مثل مشكلات مستوى المعيشة ومعدل الفقر والتذمر الإجتماعي نتيجة عدم قدرة المواطن على وفاء بتكاليف المعيشة ، وآخر بيان عن معدلات الفقر في 2015 قبل تحرير سعر الصرف كان 28% ولو أجريت دراسة جديدة الأن لن يقل عن 35 %، رغم أن الدولة تقوم بآليات تعويضية عن طريق الدعم النقدي، لكن هل الدولة قادرة على الوصول لكل الأسر الفقيرة؟ هذا سؤال صعب، وفكرة تحويل الدعم إلى نقدي ستزيد من نسبة التضخم ، لأن قطاع الإنتاج غير مرن .
قد يهمك أيضا.. كيف يرى الخريجون الجدد سوق العمل في مصر؟
الصندوق أكد أن معدل التضخم سيتراجع الى 10% ، فما دقة هذه النسبة؟
المؤكد أن معدلات التضخم ستتراجع في نوفمبر القادم ، لكن ما النسبة التي سيتراجع بها؟ ومن الطبيعي أن يتراجع التضخم مقارنة بما حدث في الشهور التي تلت تحرير سعر الصرف في نوفمبر / تشرن الثاني 2016 ، لأنه حدث إرتفاع كبير في الأسعار بعد تحرير سعر صرف الجنية المصري مقابل الدولار، وأشك أن صندوق النقد الدولي واثق من النسبة التي أعلنها في تقريره الأخير عن تراجع معدل نسبة التضخم .
الصندوق حذّر من معدل التضخم والاستدانة من الخارج والتضييق على القطاع الخاص، فما رأيك ؟
انا مع محاذير صندوق النقد ، لكن هناك تناقضا في نسبة معدل التضخم، فهو يحذر من إرتفاعه، في نفس الوقت يطلب رفع العدم الكامل عن مواد الطاقة ، وأتصور أن الرؤية ليست واضحة لدى الصندوق في هذا الشأن، فهل يتوقع الصندوق أن يهبط التضخم من 31% الى 10% أم سيهبط إلى نسبة أخرى وبعد أي مدة ؟
بالنسبة للإستدانة من الخارج، مصر تستدين بشكل كبير جدا ، حتى أن الدين الخارجي وصل الى ما يقرب من 74 مليار دولار ، هذا هو الرقم الواضح بشكل مباشر، لكن هناك دين آخر بشكل مختلف وهو السندات الدولارية التي تصدرها الحكومة وهو إلتزام مثل الدين الخارجي ويصل حاليا إلى 5 مليار دولار، وتحدث وزير المالية مؤخرا عن دراسة إصدار سندات جديدة لسد عجز الموازنة بما قيمته 8 مليار دولار وملياري يورو، وهذا يزيد من الدين الخارجي .
كذلك: بعد مرور عام تقريباً على تحرير سعر صرف الجنيه.. هل بدأ يتعافى؟
التضيق على القطاع الخاص أزمة كبيرة لأنه عصب الإقتصاد المصري ، وهو الآن مُتراجع بالنسبة لقيمة كامل الإستثمار ، وهناك معوقات عديدة تواجهه مثل القيود على الإستيراد أو مدخلات الإنتاج ، وهناك قيود غير مكتوبة ما جعل هذا القطاع مُحجم عن العمل ، كما أن التضخم المُبالغ فيه يدفع القطاع الخاص للتراجع بسبب تراجع القوة الشرائية لأن الفقراء هم الأكثر إستهلاكا للمواد الغذائية ، وهذا ينسحب على كل شيء ، ومصر مُقبلة على ركود تضخمي مرتفع .
لماذا خابت توقعات صندوق النقد بالنسبة لسعر الجنية المصري أمام الدولار بعد تحريره؟
توقعات صندوق النقد لتحرير سعر الجنية لم تكن دقيقة ولم يتوقع أن يصل الجنية المصري إلى 18 جنيها مقابل الدولار ، وأتصور أن الخطأ الأساسي في مصر كان بسبب سياسات محافظ البنك المركزي المصري ، لإنه أتخذ مجموعة من القرارات المتناقضة التي أحدثت نوعا من البلبلة في السوق ورفعت سعر الدولار بشكل مبالغ فيه كان يمكن تجنبه لو كان هناك حكمة في القرارات .
الصندوق قال إن معدل النمو سيصل إلى أكثر من 4% ، فما صحة هذه النسبة؟
لا أعرف على أي أساس تم حساب هذه النسبة ، وحتى يصل إلى ذلك يجب أن يكون هناك أمرا ما يحدث وهو أمر غير مرئي ، فالإنفاق الحكومي في تراجع بعد إرتفاع الأسعار ، بالإضافة إلى أن صافي الصادرات ليس في تحسن، كما أن الإستثمار الأجنبي المباشر تراجع خلال هذا العام مقارنة بالعام الماضي ، والبند الأخير الذي يشير إلى زيادة معدل النمو هو الإستهلاك ويمكن التلاعب فيه ، كل هذا يؤكد أن إرتفاع معدل النمو بالنسبة التي تحدث عنها الصندوق أصبح مشكوكا فيه .
ما السبب في أن أغلب تقديرات الصندوق غير صحيحة؟
قد يكون السبب في ذلك أن الحكومة ملتزمة فيما يخص خفض الدعم، لكن غير ملتزمة في مناطق أخرى، كما أن الإصدار النقدي " طبع الفلوس " في مصر الآن يحدث بطريقة غير مسبوقة في تاريخ مصر كله وبشكل كبير جدا، وهذا ساهم في زيادة نسبة التضخم بهذا الشكل الرهيب مع تحرير سعر الصرف .
ما أثر الدفعة الثالثة من صندوق النقد والتي تبلغ ملياري دولار في نهاية العام الحالي؟
أي مبالغ نقدية تدخل البلد يكون لها تأثير إيجابي ، لكن النقطة الأساسية أن الإلتزامات المطلوبة من مصر أكبر من الدفعات الواردة للدولة ، ومصر ستدخل العام الثاني من برنامج الإصلاح بعد أقل من شهرين ، ومع نهاية العام الثالث من البرنامج ستكون ملتزمة بالبدء في سداد الـ12 مليار دولار ، بالإضافة إلى سداد أجزاء من الدين الخارجي ، بخلاف السندات الدولارية ، وإذ لم يكن هناك مصادر للدخل الأجنبي غير القروض وبسرعة وبكمية كبيرة ستكون هناك أزمة كبيرة ، ولابد من زيادة الإستثمار الأجنبي وقطاع السياحة وتحويلات العاملين المصريين بالخارج ، لأن دخل قناة السويس ليس هناك أمل في زيادته الآن ومازالت في حدود الـ 5 مليارات دولار .
من يضع السياسة الإقتصادية في مصر؟
لا يوجد عقل مفكر للإقتصاد في مصر ، من الصعب أن نحمّل الرئيس هذه المسئولية لأنه ليس متخصصا في ذلك، ومعظم العاملين الحاليين في السياسات الإقتصادية من خلفية مصرفية وليسوا إقتصاديين، ولا أعرف من يرسم السياسات الإقتصادية لمصر، في السابق كان هناك عقليات إقتصادية ترسم السياسات مثل يوسف بطرس غالي ومحمود محيي الدين .
ماذا يقلقك في تقرير الصندوق ؟
أكثر ما يقلقني في روشتة الصندوق أنه يركز على جوانب مالية ونقدية بحتة ، لكنه لا ينظر للجوانب الحقيقة مثل إنعكاس ذلك على الإستثمار واستهلاك الأفراد وسوق العمل وقيمة الناتج بدون التلاعب في الأرقام لتجميل الصورة ، ولو حدث تغيير في الجوانب النقدية على حساب الجوانب الحقيقية في الإقتصاد مثل الفقر والبطالة فلن يحدث تحسن في الإقتصاد المصري، مصر عملت برنامجا جيدا في عام 1991 ونتائجة تحدث عنها العالم كله، لكن هذه أول مرة في تاريخ مصر يرتفع فيها معدل البطالة من 5 % إلى ما يقرب من 12 في المئة.