هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
بحسب برنامج المكافآت، جائزة من يدلي بمعلومات تفضي بتقديم زعيم داعش أبو إبراهيم القرشي إلى العدالة كانت 10 ملايين دولار أمريكي. بلغة الأرقام، كان رأس القرشي أقل من ثمن سلفه بـ15 مليونا (قبل التضخم الأعلى منذ أربعين عاما)! بمعنى، أن قيمة السلف والخلف ومن ينتظر مصيرا مشابها في صفوف هذا التنظيم الإرهابي أو من هو على شاكلته آخذة بالتراجع على وقع النجاحات التي يحققها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد الإرهاب.
على غرار تصفية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لأبي بكر البغدادي، شكرت واشنطن المخابرات العراقية على دورها في تصفية العراقيين زعيمي داعش البغدادي و القرشي فيما ينتظر الخليفة الثالث المتوقع في دولة الخلافة المزعومة (العيساوي) ضربة ما، في زمان ما ومكان ما، قد يكون أيضا إدلب شمال غرب سورية وعلى بعد بضعة أميال من الحدود مع تركيا.
لكن بايدن خصّ في خطاب مقتضب الخميس قوات سوريا الديمقراطية بالشكر، مثمنا "الشراكة" في معركة محاربة الإرهاب. معلوم أن أي عملية إنزال للتصفية أو الانتزاع (لغايات التحقيق مع الإرهابي أو تقديمه للعدالة) لا يمكن أن تتم دون تحقق جملة من الظروف الموضوعية من بينها حالة الطقس. انتظر صاحب القرار على ما يبدو ذوبان ثلوج العاصفة الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط حتى يتم تنفيذ هذه العملية التي أتت في توقيت سياسي حرج للشريكين: الإدارة الأمريكية وقوات سوريا الديموقراطية، بعد أسبوعين من إحباط الهروب الجماعي من سجن الغويران في الحسكة والذي حاول فيه تنظيم داعش الإرهابي بسجنائه وخلاياه النائمة في كل من العراق وسورية توجيه ضربة تبعث في أوصاله المقطعة الحياة.
التوقيت في غاية الحساسية بنسبة لبايدن لوقف تهاوي شعبيته داخليا، ومصداقيته خارجيا تحت وطأة تمادي الحوثي في اعتداءاته على الإمارات، وما قيل إنه غزو أو توغل روسي وشيك في أوكرانيا. اتخذ الرئيس الأمريكي القرار بتنفيذ الضربة لإفقاد التنظيم توازنه من جهة والأهم لربما دحض ما تردد من اتهامات وتلميحات بمسؤولية إدارته – إدارة أوباما الثالثة – عن محاولة بعث الحياة في "فزاعة" داعش كسبيل للضغط على دول في الإقليم أو تسريع التسوية السياسية للأزمة السورية من خلال التعبير عن الوجود وبقوة على الأرض حتى في ظل خطط الانسحاب الحاصل قطعا ولو بعد حين.
لكن كأي عمل أمني عسكري، تبقى الاعتبارات الأولية سياسية محضة. عملية إنزال واشتباك على هذه الأهمية ليست وليدة لحظة. فكما قال بايدن وسلفه من الرؤساء الأميركيين الرسالة واحدة وهي "الوعد بتقديم الإرهابيين إلى العدالة أينما كانوا". التوقيت سياسي والكيفية لوجستية، فيها أيضا اعتبارات سياسية. من هنا مثلا، عارض بايدن ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تصفية ترامب لقاسم سليماني قائد فيلق "القدس" في الحرس الثوري الإيراني. لم يكن الخلاف على كونه "عدوا للأمة الأمريكية" الخلاف كان على تفادي "استفزاز" رد فعل إيراني وخسارة معركة المفاوضات الخاصة بالملف النووي، وسياسات طهران "المزعزعة" للاستقرار الإقليمي. قد تفسر تصفية القرشي، تردد بايدن ومماطلته في إعادة إدراج الحوثي على لائحة الإرهاب لأن ذلك سيعني وضع زعيمهم – عبدالملك الحوثي - على لائحة الاستهداف كما أوصت وكالة الاستخبارات المركزية سي آي إيه والبنتاغون عندما أعلنت تأييدا لإعادة إدراج الحوثي على لائحة الإرهاب.
الخلاصة، لن يسلم النجاح من المشككين بالنوايا والنتائج على حد سواء، لكن العبرة في النتائج، فلكل هزة تداعياتها، فهل ينجح بايدن في القضاء أو دفع داعش مرة أخرى لأوكارها تحت الأرض فتكون الضربة قاصمة لا منشّطة لسرطان داعش ومن على شاكلتها من التنظيمات الإرهابية؟ بصرف النظر عن ذلك، هنا تكمن مسؤولية المجتمعات والدول العربية الإسلامية في التصدي لهذه "الحرب الأهلية" كما قيل داخليا بالفكر أولا. فالقرشي -العراقي التركماني الأصل- هو المسؤول عن المجازر بحق من يفترض أن يكونوا إخوته في المواطنة العراقية، الأيزيديين. نذكر جميعا فظاعات ما جرى للأيزيديات من جرائم اغتصاب فيما يطلق عليه الظلاميون والإرهابيون اسم "سبايا". ويقول مرددو "نظريات المؤامرة" بعد هذا، إن داعش صناعة "الغرب"؟ قد يكون مما يستدعي مراجعة اجتراحيه لا تجميلية للتراث القائلين بمنطق "جهاد النكاح" و"نكاح (اغتصاب) ورق (بيع السبايا) وضرب المرأة وهو موضوع شغل "التايم لاين" المصري لأيام على منصات التواصل الاجتماعي بين أخذ ورد ونحن في الربع الأول من الألفية الميلادية الثالثة!