القاهرة، مصر (CNN)-- تحاول الحكومة المصرية، تخفيف ضغط الطلب على الدولار من خلال مصادر جديدة للنقد الأجنبي عبر إنشاء شركة للمصريين بالخارج لاستثمار مدخراتهم في الأنشطة الاقتصادية المتنوعة بالسوق المحلي، بما يحقق عائدا مرتفعا لهم، وزيادة الاستثمارات المباشرة.
كما تعمل الحكومة المصرية على توفير الدولار عبر إتمام خطوات التعامل التجاري مع روسيا بالعملات المحلية، وتوسيع هذه الآلية لتشمل دولتي الصين والهند.
وتم الاتفاق على إنشاء شركة مساهمة للمصريين بالخارج، تضم كبار المستثمرين الذين استجابوا لطلب للمشاركة في التأسيس، أو صغار المستثمرين الراغبين في الحفاظ على مدخراتهم وتنميتها، بحسب بيان لوزيرة الهجرة السفيرة سها جندي.
وقال الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، إن الهدف من تأسيس شركة المصريين بالخارج للاستثمار، منح فرصة للمقيمين بالخارج أو المصريين الحاصلين على جنسيات أخرى، والذين تتراوح أعدادهم بين 12-14 مليون متواجدين في جميع أنحاء العالم، الاكتتاب في الشركة لتنمية مدخراتهم، والارتباط بوطنهم الأم، على أن تستثمر هذه الأموال في الطروحات الحكومية أو في فرص استثمارية أخرى في مجالات عدة منها العقارات، والسياحة، والتعليم، والصحة.
وتعتزم الحكومة المصرية، طرح حصص من 32 شركة مملوكة للدولة لمستثمرين استراتيجيين أو بالبورصة المصرية، ضمن خطتها لبيع أصول بقيمة 40 مليار دولار خلال 4 سنوات، لزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، ورفع عوائد الدولة من النقد الأجنبي.
وأضاف الفقي، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، أن شركة المصريين بالخارج للاستثمار تحقق مصلحة مشتركة للمقيمين في الخارج لتنمية مدخراتهم، وتحقيق عائد مرتفع، مستشهدًا بالعديد من الشركات العربية التي دخلت السوق المصري واستطاعت تحقيق معدلات ربحية مرتفعة، منها شركات إماراتية وسعودية استثمرت في العقارات، والقطاع المصرفي، كما تحقق الشركة عائدًا للدولة من جذب استثمارات أجنبية مباشرة، ويحقق قيمة مضافة للاقتصاد المصري، وزيادة تحويلات المصريين بالخارج مما يعزز من الاحتياطي النقدي الأجنبي، ويحل أزمة نقص الدولار.
وتواجه مصر أزمة في نقص النقد الأجنبي في أعقاب موجة التضخم العالمية، والحرب الروسية – الأوكرانية، مما تسبب في زيادة أسعار السلع الأساسية، وأدى لارتفاع فاتورة الاستيراد، وفي الوقت نفسه انخفاض موارد الدولة من الدولار نتيجة خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وانخفاض إيرادات السياحة، وتحاول الحكومة التغلب على هذه الأزمة من تنمية موارد العملة الخضراء من التصدير، وتحويلات العاملين بالخارج، والسياحة، والاستثمار الأجنبي غير المباشر، وعوائد قناة السويس، وهي أعلى المصادر من حيث الإيرادات على الترتيب.
وعدد فخري الفقي، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر، ومنها: الاستثمار العقاري في المدن الجديدة التي يتم بناؤها في جميع أنحاء البلاد، وكذلك في الأصول الحكومية بمنطقة وسط البلد عقب نقل الوزارات للحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة، وكذلك هناك فرص في التعليم في إنشاء مدارس وجامعات، لخدمة النمو السكاني، إذ يمثل عدد مواطنيها نحو ربع سكان الوطن العربي، إضافة إلى وجود فرص سياحية، ستشهد طلبًا مع افتتاح المتحف المصري الكبير.
وتبني الحكومة المصرية 39 مدينة ضمن خططها لمضاعفة مساحة رقعة المعمور من 7% إلى 14% لاستيعاب الزيادة السكانية، أبرزها: مدن العلمين الجديدة، والمنصورة الجديدة، والعاصمة الإدارية الجديدة، وأكتوبر الجديدة، وتتيح الدولة فرصًا استثمارية في تنمية هذه المدن، سواء من خلال مشروعات سكنية أو خدمية أو تجارية وترفيهية.
وقال رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، إنه لم يتم الاستقرار على رأس مال شركة المصريين بالخارج، أو خطط الاكتتاب في الشركة ومجالات استثمارها، وسيتم العمل على هذه الملفات بعد تأسيسها من خلال مجلس المؤسسين، والذي يضم رجال أعمال مستثمرين بقطاعات متنوعة في الخارج، مشيرًا إلى أن الشركة قد تكون بديلًا للاستثمارات الأجنبية غير المباشرة (الأموال الساخنة) مما يعد مصدرًا إضافيًا ومستدامًا للدولار.
ويضم مجلس مؤسسي شركة المصريين بالخارج، رجال أعمال من بينهم أشرف دوس، وتامر هدايت، وحسن الجراحي، وناصر فؤاد، ووائل حسن، وعادل بولس، وعمر عبد الله، وكريم أسعد، ويعملون في قطاعات متعددة في دول مختلفة.
وقدر الفقي والذي شغل منصب خبير صندوق النقد الدولي سابقا، أن يصل حجم استثمارات الشركة إلى مليارات الدولارات، من خلال تشجيع المصريين بالخارج على ضخ جزء كبير من دخلهم في الشركة لتحقيق عائد مرتفع، موضحًا أن متوسط المصريين بالخارج يبلغ حوالي 12 مليون مصري، وحال تحقيق دخل بمتوسط 1000 دولار شهريًا يصل إجمالي الدخل 12 مليار دولار شهريًا، لو تم تحويل جزء منها للشركة ستضخ استثمارات ضخمة سنويًا.
وبحسب بيان لوزارة الهجرة، تم توقيع بروتوكول بين أعضاء مجلس التأسيس لبروتوكول لإطلاق شركة المصريين في الخارج، وتضمن البروتوكول رؤية الشركة وخطة العمل، كما تم الاتفاق على الخطوات التنفيذية والتي تضمنت استكمال الأوراق الرسمية لتسجيل وإطلاق الشركة والموقف القانوني وغيرها من التفاصيل الأساسية.
في سياق آخر قال مجدي الوليلي، عضو مجلس النواب عضو غرفة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، إنه سبق وطالب في اجتماعات البرلمان بضرورة بحث الحكومة تفعيل آلية الصفقات المتبادلة مع الدول التي تستحوذ على حصة كبيرة من التبادل التجاري مع مصر، لتخفيف ضغط الطلب على الدولار، خاصة وأن الدولة تولي أهمية في الوقت الحالي بقطاعي الزراعة والصناعة مما يمكنها من الاستفادة من هذه الآلية لزيادة صادراتها واستيراد المواد الخام والسلع الأساسية من الخارج، مشيدًا باهتمام الحكومة بدراسة الموضوع مع روسيا وغيرها من الشركاء التجاريين.
وارتفعت واردات مصر بقيمة 5.3 مليار دولار خلال عام 2022 لتسجل 94.5 مليار دولار، وحلت الصين في الصدارة بقيمة 14.4 مليار دولار، وروسيا في المركز الرابع بقيمة 4.1 مليار دولار، بحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وأشار الوليلي، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، إلى أن مصر سبق أن طبقت آلية الصفقات المتبادلة في التعامل التجاري مع العراق، وصدرت لبغداد الألومنيوم، والغزل والنسيج، والأدوية مقابل استيراد فوسفات وتمر ونفط وبيتومين، وتستخدم هذه المادة بكثافة في السوق المحلي في رصف الطرق، لافتًا إلى أن هذه الآلية قد يمكن استخدامها في التبادل التجاري مع الدول الأفريقية أيضًا مقابل استيراد اللحوم والحبوب منها.
وتصدرت المنتجات البترولية، قائمة أعلى 10 سلع استوردتها مصر العام الماضي بقيمة بلغت 7.3 مليار دولار، كما استوردت بترول خام بقيمة 4.4 مليار دولار، وقمحا بقيمة 4.2 مليار دولار خلال نفس العام.
ويرى مجدي الوليلي، أن قطاعات الغزل والنسيج، والصناعات الغذائية، والأدوية، أبرز القطاعات التي سوف تستفيد من تطبيق الآلية، خاصة وأن الحكومة تولي اهتمامًا بالقطاعات الإنتاجية في الفترة الحالية من خلال تمويل ميسر بفائدة 11%، ورخص ذهبية لسرعة إصدار الموافقات لبدء التشغيل والإنتاج، وحوافز أخرى ضريبية لتشجيع التصنيع، وتعميق المكون المحلي.
وقدر عضو غرفة الحبوب باتحاد الصناعات، أن توفر مصر نحو 15 مليار دولار سنويًا من تفعيل الصفقات المتبادلة مع الشركاء التجاريين الذين يستحوذون على الحصة الأكبر من التبادل التجاري مع مصر، من بينها روسيا، والصين، والهند، ويمكن تصدير منتجات الموالح، والبطاطس، والفول السوداني لموسكو مقابل استيراد القمح، مشيرًا إلى أن الوفر المتحقق مع هذه البلدان قد يسهم في تحقيق استقرارا في النقد الأجنبي، ويلبي احتياجات استيراد مستلزمات الإنتاج للتصنيع.
ويتبقى لتحقيق التبادل التجاري بين مصر وروسيا بالعملات المحلية، عاملان؛ الأول الربط بين البنك المركزي المصري ونظيره الروسي، وثانيًا، تفعيل الصفقات المتبادلة، وفقًا لتصريحات علي المصيلحي وزير التموين.