دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- سجّلت البورصة المصرية أول خسارة شهرية خلال مارس/آذار الماضي، بعد صعود دام 17 شهرًا متتاليًا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، ليتراجع المؤشر الرئيسي بنسبة 7.18% ليغلق عند مستوى 26883 نقطة بنهاية الشهر الماضي، ويخسر رأس المال السوقي 187 مليار جنيه (3.9 مليار دولار). وأرجع خبراء سوق المال أسباب الهبوط إلى زيادة سعر الفائدة 800 نقطة أساس مما شجع مستثمرين لنقل استثماراتهم إلى الشهادات البنكية بدلًا من سوق المال، وارتفاع سعر الجنيه أمام الدولار بعد تحرير سعر الصرف مما خفض من تقييمات المستثمرين للأسهم.
رغم تراجع البورصة المصرية خلال مارس/آذار، إلا أنها واصلت تسجيل أداء إيجابي خلال الربع الأول من العام الجاري إذ ارتفع المؤشر الرئيسي بنسبة 7.99%، وربح رأس المال السوقي 91.9 مليار جنيه (1.9 مليار دولار).
قالت خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، إن البورصة المصرية تصدرت أسواق المال العربية خلال عام 2023، وواصلت مسيرة الصعود القياسي خلال أول 70 يومًا من العام الجاري حتى سجل المؤشر الرئيسي أعلى مستوى في تاريخه عند 34500 نقطة، ولكن بعد اتخاذ البنك المركزي قرار بزيادة سعر الفائدة بدأ المؤشر الرئيسي موجة هبوط حاد منذ جلسة اليوم الحادي عشر من الشهر الماضي، وانخفضت قيم التداول بشكل ملحوظ، وقاد هذا التراجع الأسهم القيادية للمؤشر الرئيسي، على رأسها أسهم طلعت مصطفى القابضة، ومجموعة أي أف جي القابضة، وفوري لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية.
ووفق التقرير الشهري للبورصة المصرية، تراجع سهم مجموعة طلعت مصطفى القابضة، وهي أكبر ثاني شركة مقيدة بالبورصة المصرية بنسبة 8.07% خلال مارس لتصل قيمته السوقية عند 126.9 مليار جنيه (2.7 مليار دولار).
أرجعت رمسيس، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، سبب الخسائر الحادة للبورصة المصرية خلال الشهر الماضي، إلى زيادة سعر الفائدة 800 نقطة أساس منذ بداية العام، مما دفع العديد من المستثمرين، سواء الأفراد الذين اتجهوا إلى نقل استثمارهم من سوق المال إلى الشهادات البنكية مرتفعة العائد أو المؤسسات للاستثمار في أذون الخزانة، التي وصلت لعائد مغري تجاوز 30% لأجل أقل من عام، مما دفع العديد من المؤسسات خاصة العربية والأجنبية لتوزيع محافظها بين التركيز بنسبة تصل إلى 93% على أذون الخزانة، واستثمار النسبة المتبقية في سوق المال.
ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة 200 نقطة أساس في أول اجتماعاته هذا العام مطلع فبراير/شباط، وبعدها في اجتماع استثنائي اليوم السادس من الشهر الماضي، رفع الفائدة مرة ثانية 600 نقطة أساس مرة واحدة للسيطرة على التضخم، وبعدها طرحت بنوك حكومية شهادات ادخار مرتفعة العائد وصلت إلى نسبة 30%.
أشارت حنان رمسيس إلى عامل آخر لخسائر البورصة، وهو مراجعة مؤسسة "فوتسي راسل" لسوق الأسهم المصرية، وإعلان المؤسسة عزمها خفض ترتيب البورصة المصرية من الأسواق الناشئة الثانوية إلى وضع الأسواق غير المصنفة في تحديث مارس الماضي، بسبب شكوى مؤسسات أجنبية من صعوبة تحويلات أرباحهم للخارج بسبب عدم توافر النقد الأجنبي، مما أثر على قرارات صناديق الاستثمار الأجنبية بالسلب على الاستثمار بالبورصة المصرية، وحتى مع تأجيل مؤسسة "فوتسي" اتخاذ قرارها إلى مراجعة يونيو المقبل مازالت المؤسسات الأجنبية تترقب الاستثمار بسوق المال المصرية.
ووفق التقرير الشهري للبورصة المصرية، سجل المستثمرون الأجانب صافي شراء بالبورصة المصرية بقيمة 857.2 مليون جنيه (18 مليون دولار) خلال مارس/آذار، في حين سجل المستثمرون العرب صافي بيع بقيمة 1.2 مليار جنيه (25.3 مليون دولار).
قالت رمسيس إن المستثمرين الأفراد بالبورصة أكثر المتضررين من موجة هبوط سوق المال خلال الشهر الماضي، خاصة مستخدمي آلية الشراء بالهامش "المارجن"، إذ تسبب الضغوط البيعية في خسائر فادحة لمحافظ الأفراد المستخدمة لهذه الآلية، متوقعة أداءً متذبذبًا للبورصة المصرية على الأجل القصير بسبب إجازة عيد الفطر، واستمرار وجود موجة ضغوط بيعية، والتي بعد انتهائها سيبدأ المستثمرون تكوين مراكز شرائية وبدء دورة صعود جديدة، ولكن دون الوصول للقمة التاريخية التي سجلتها البورصة مطلع هذا العام؛ لأن الوصول لهذه القمة يتطلب محفزات إيجابية لأداء الاقتصاد المصري، مثل تنفيذ صفقات استحواذ كبرى مثل صفقة تطوير منطقة رأس الحكمة، وتحقيق الشركات المقيدة نتائج أعمال قوية، مع إقرار توزيعات مربحة للمستثمرين لتشجيع عودة الاستثمار بسوق المال بدلًا من الشهادات البنكية.
ووزعت الشركات المدرجة بالبورصة المصرية أرباحًا نقدية على المساهمين بلغت 5.3 مليار جنيه (111.2 مليون دولار) خلال الربع الأول من العام الجاري منخفضة من 5.4 مليار جنيه (113.4 مليون دولار) خلال الربع المماثل من العام الماضي، وبزيادة عن الربع الأول من عام 2022 والذي سجل 3.9 مليار جنيه (82.5 مليون دولار).
من جانبه، قال نائب رئيس مجلس إدارة شركة مباشر كابيتال هولدنغ للاستثمارات المالية، إيهاب رشاد، إن الخسائر الحادة التي منيت بها البورصة المصرية خلال مارس/آذار جاءت نتيجة 3 عوامل مجتمعة؛ الأول تطبيق نظام سعر صرف مرن للجنيه أمام العملات الأجنبية مما أدى إلى تراجع سعر الدولار من مستويات 70 جنيهًا في السوق الموازية إلى حوالي 48 جنيهًا في البنوك مما خفض من تقييمات المستثمرين للأسهم المقيدة.
وأضاف رشاد أن العامل الثاني هو تخارج صناديق الاستثمار الكبرى من سوق المال بعد تدبير النقد الأجنبي اللازم لتحويل أرباحهم للخارج، العامل الثالث تطبيق المستثمرين الأفراد المصريين المقولة الشهيرة "اشتري على الشائعة وبيع عند الخبر"، ولذا مع بدء تطبيق تحرير سعر الصرف اتجه العديد من المستثمرين إلى تسييل محافظهم بالبورصة المصرية، بعد تحقيقهم أرباحًا مرضية خلال الفترة الماضية.
وأوضح رشاد، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، أسباب تراجع البورصة المصرية بعد تطبيق سعر صرف مرن، قائلًا إن المستثمرين الأفراد كانوا يقيمون الأسهم المقيدة بالبورصة المصرية بسعر الدولار في السوق السوداء وقت أزمة نقص النقد الأجنبي في البلاد، ولذا مع كل زيادة لسعر الدولار في السوق السوداء يتجه المستثمرين إلى شراء المزيد من الأسهم حتى سجلت البورصة مستويات قياسية مع وصول سعر الدولار لمستوى تجاوز 70 جنيهًا، ولكن مع انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه بعد تحرير سعر الصرف أثر سلبًا على تقييمات المستثمرين للأسهم ولذا بدأت البورصة المصرية موجة هبوط منذ يوم 10 مارس بعد تعويم الجنيه.
وتوقع إيهاب رشاد أن تشهد البورصة المصرية تشبع بيعي خلال الفترة المقبلة لتصل أسعار الأسهم لمستويات مغرية تشجع المستثمرين على إعادة تكوين مراكز شرائية مرة ثانية، خاصة للشركات المتوقع أن تحقق نتائج أعمال إيجابية خلال الربع الأول من العام الجاري، مما يحفز المستثمرين لإعادة شراء الأسهم.
وحول تأثير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على أداء البورصة، يرى رشاد، تباينًا في تداعيات تأثير الاتفاق على البورصة المصرية، إذ سيؤثر سلبًا على المحافظ الأفراد التي كانت تعتمد على تقييم الأسهم بناءً على سعر الدولار في السوق الموازية والذي انخفض بنسبة 40-50% بعد تحرير سعر الصرف، أما التأثير الإيجابي فسيكون على منح الراغبين في الاستثمار بالشركات التي ستستفيد من القرار فرصة مميزة للشراء.