(CNN)-- عندما كان السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية الأمريكية، ليندسي غراهام، في المملكة العربية السعودية أواخر الشهر الماضي للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، قرر الاثنان استدعاء أحد المعارف المشتركين، وهو دونالد ترامب.
وكان غراهام هناك لمناقشة الصفقة عالية المخاطر التي تعمل عليها إدارة جو بايدن منذ أكثر من عام والتي من شأنها تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهما خصمان تاريخيان لهما مصلحة مشتركة في عزل إيران.
ووجد بايدن وفريقه من المبعوثين شريكا غير متوقع في غراهام، الذي عرض حشد الدعم الجمهوري لما يمكن أن يكون اتفاقا ضخما يمكن أن يشمل أيضا اتفاقية دفاع أمريكية سعودية وخطوات نحو حل الدولتين.
وبرز غراهام أيضا كقناة دبلوماسية رئيسية مع الأمير محمد بن سلمان، ويقول إنه يطلع فريق بايدن على محادثاته مع ولي العهد القوي.
وتحدث غراهام ومحمد بن سلمان معا الشهر الماضي، مع ترامب لمدة 5 دقائق تقريبا، حسبما قال شخصان مطلعان على الاتصال لشبكة CNN .
وكانت المحادثة ودية وكانت معظمها عن تبادل المجاملات والأحاديث غير الرسمية حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وقال أحد الأشخاص إنه في مرحلة ما، روج ترامب لأرقام استطلاعات الرأي الخاصة به، وقال المصدران إن اتفاق التطبيع لم يُطرح ولو مرة واحدة.
وتلخص المحادثة كيف يلوح ترامب في الأفق بشأن اتفاق يرى المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون والسعوديون أنه حيوي لتحقيق استقرار دائم في الشرق الأوسط، وفي حين يظل الرئيس السابق على علم بالمحادثات، فإنه غير منخرط، كما يقول أشخاص مطلعون على الأمر.
والاتفاق الذي يتشكل هو امتداد للعمل الذي تم في عهد ترامب لتطبيع العلاقات بين العالم العربي وإسرائيل، وبلغ ذروته في اتفاقيات إبراهيم التي وقعت في 2020، والتي شهدت اعتراف البحرين والإمارات العربية المتحدة بإسرائيل.
وستحتاج أي معاهدة أمريكية إلى إقرارها في مجلس الشيوخ، وهناك قلق حقيقي بين بعض المشاركين في المحادثات الحالية من أن ترامب قد يحاول إفشال أي اتفاق من قبل بايدن، مثلما حدث، في وقت سابق من هذا العام، عندما حث الجمهوريين في الكونغرس على عدم دعم الاتفاق بشأن الهجرة بين الحزبين.
وبينما يقول الأشخاص المقربون من ترامب إنه يعتقد أنه يستطيع التفاوض على اتفاق أفضل مع السعوديين إذا تمكن من العودة إلى البيت الأبيض، فإن الرئيس الأمريكي السابق لا يتطلع أيضا إلى المشاركة أو العمل بنشاط لإحباط أي نوع من اتفاق التطبيع في عهد بايدن.
وقال مصدر مقرب من ترامب: "بالنسبة لترامب، هذه الصفقة المحتملة ليست في قمة أولوياته على الإطلاق"، مضيفا أنه يجب عليه الاستمرار في التركيز على التضخم والاقتصاد والجريمة، وتابع: "لا أنصحه بالخروج عن هذا الأمر، لا أعتقد أن الإمكانيات موجودة".
وقال شخص آخر مقرب من ترامب لشبكة CNN إن ترامب وفريقه يدركون أيضًا أن أي محاولة لعرقلة المفاوضات بين إدارة بايدن والقادة الأجانب ستكون بمثابة انتهاك لقانون "لوغان".
يذكر أن قانون "لوغان" يحظر على المواطنين غير المخولين بالتفاوض مع حكومات أجنبية لها خلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وضع هذا القانون في سبيل عدم التقليل من قدر حكومة أمريكا، وجاء في عهد الرئيس الأمريكي جون ادمز إثر تواصل جورج لوغان مع الحكومة الفرنسية عام 1798 دون أن يحمل صفة تخوله لذلك.
"الوقت ينفذ"
وقال مسؤولان أمريكيان إن محادثة ترامب مع محمد بن سلمان لم تمر مرور الكرام في البيت الأبيض، على الرغم من أنهما أوضحا أنه لا يوجد دليل على أنها أثرت على أشهر من المحادثات بين مبعوثي بايدن ونظرائهم السعوديين.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز أول من أورد عن هذه المحادثة في 3 إبريل/ نيسان.
وأبلغ غراهام مسؤولي بايدن بالمحادثة بين محمد بن سلمان وترامب، وقال إنهم يفهمون سبب رغبته في إبقاء ترامب على اطلاع، وأضاف غراهام: "هم يفهمون الدور الذي ألعبه مع ترامب، وهم على استعداد تام لمنحه نصيبه العادل من الفضل في هذا الأمر."
والتقى ترامب مع سلسلة من الزعماء الأجانب في الأسابيع الأخيرة، وعلى الرغم من الاعتقاد السائد لدى البعض داخل الإدارة الأمريكية بأن محمد بن سلمان يفضل بوضوح عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ولا يوجد ما يشير إلى أن منافسة ترامب مع بايدن في الانتخابات الرئاسية هذا العام قد قوضت الجهود الحالية، وفقا للمسؤولين الأمريكيين.
وهذا لا يعني أن هناك طريقًا سهلا، فمع اقتراب الانتخابات واجتياح المنطقة للاضطرابات بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن الفرص تتقلص بسرعة، حسبما قال الأشخاص المشاركون في المفاوضات لشبكة CNN.
وقال مسؤول سابق في إدارة بايدن: "الوقت ينفد، ومن الممكن الإعلان عن إطار عمل لكيفية ظهوره وقيام بايدن بذلك، حتى أن الحصول على إطار عمل معا سيكون أمرا رائعا لكن هذا لا يمكن أن يحدث قبل (الانتخابات) في نوفمبر/تشرين الثاني".
ومع ذلك، يظل غراهام متفائلا، ويقول إنه يعتقد أن أفضل طريق لإنجاز أي شيء على الإطلاق سيكون في عهد بايدن في وقت ما خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وقال غراهام، لشبكة CNN ، إنه يبذل كل ما في وسعه لضمان إبرام الصفقة في عهد بايدن، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه يعتقد أن بايدن سيكون لديه فرصة أفضل لحشد الدعم الديمقراطي في الكونغرس.
وأضاف: "أعتقد أن الرئيس ترامب يدرك أن هذا يعتمد على ما فعله، وإذا قام رئيس جمهوري بهذه الصفقة، أعتقد أن معظم الديمقراطيين سيقولون لا … أعتقد فقط أن بايدن يمكنه الضغط عليهم".
العثور على شريك في غراهام
وتولت إدارة الرئيس بايدن السلطة متعهدة بتغيير في علاقة الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية، حيث وجه بايدن انتقادات حادة لمحمد بن سلمان بسبب دوره المزعوم في مقتل الصحفي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي.
ومع ذلك، حافظ كبار مبعوثي بايدن إلى المنطقة على حوار مستمر مع الرياض وتواجدهم المنتظم فيها.
وعلى الرغم من كل الطرق التي سعى بها بايدن للابتعاد عن نهج ترامب تجاه المنطقة، أصبح احتمال توسيع أحد إنجازات ترامب الأساسية في السياسة الخارجية محورا رئيسيا.
وفي الوقت نفسه، يتمتع غراهام بموقع فريد للمساعدة نظرا لعلاقاته الوثيقة في المنطقة، ليس فقط مع محمد بن سلمان ولكن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس.
وفي الربيع الماضي، بدأ غراهام في استخلاص المعلومات من مسؤولي إدارة بايدن بعد اجتماعاته مع القادة الأجانب في الشرق الأوسط، وفقًا لمصادر متعددة مطلعة على المحادثات.
وقال غراهام لشبكة CNN إنه التقى مباشرة مع بايدن بشأن اتفاق التطبيع مرتين على الأقل، وأنه يتحدث بانتظام مع مستشار الرئيس للأمن القومي جيك سوليفان، وكذلك في بعض الأحيان مع المبعوث الخاص آموس هوكستين ووزير الخارجية أنتوني بلينكن.
وبحلول الخريف الماضي، كان فريق بايدن يقترب من تحديد شروط الاتفاق مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو أمر يقول المسؤولون الأمريكيون إنه كان على بعد أسابيع من الانتهاء منه، ثم هاجمت حركة "حماس" إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول.. و"تغير كل شيء".
ومنذ ذلك الحين، أصبحت الصفقة أكثر أهمية في سياسة الإدارة طويلة المدى في المنطقة ولكن تحقيقها أصعب بكثير أيضا، وفي الأشهر القليلة الماضية، تغير شكل الاتفاق مع الرياض، وفقا لمسؤولين أمريكيين.
وفي حين كان هناك دائمًا عنصر فلسطيني مهم مرتبط بأي اتفاق، فقد أصبحت ضرورة وجود مسار واضح لحل الدولتين واضحة منذ 7 أكتوبر.
ولا تزال هناك أسئلة حول ما تريده السعودية من حيث اللغة المحددة بشأن الفلسطينيين، ولكن المصادر تقول إن السعوديين يريدون مسارا واضحا للفلسطينيين وليس مجرد التزام بتحقيق هذه الغاية، ومع ذلك، تظل هذه القضية واحدة من أكثر النقاط الشائكة.
وتريد المملكة العربية السعودية أيضا التوقيع على ما يمكن أن يكون اتفاقا دفاعيا كبيرا مع الولايات المتحدة، مما يمنح المملكة ضمانات أمنية كبيرة في حالة تعرضها لهجوم.
وهناك عدة مستويات من الاتفاقيات الأمنية التي يمكن أن تبرمها هذه الدول، وأهمها سيكون شبيهاً باتفاقية الدفاع المشترك المنصوص عليها في المادة 5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وهناك أيضًا رغبة قوية في تضمين الصفقة سعي السعوديين منذ فترة طويلة للحصول على المساعدة في تطوير برنامج الطاقة النووية المدني الخاص بهم.
وقال متحدث باسم السفارة السعودية في الولايات المتحدة، لشبكة CNN، إن موقف بلاده هو أن إقامة علاقات مع إسرائيل مشروط بإنهاء الحرب في غزة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإنشاء مسار لا رجعة فيه نحو حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية.
وفيما يتعلق بالجدول الزمني، قال المتحدث إن المملكة تعمل جاهدة لتحقيق هذه الأهداف في أسرع وقت ممكن.
وهناك الكثير مما يجب إنجازه في فترة زمنية قصيرة، ولكن من وجهة نظر غراهام، قد لا تكون هناك لحظة أخرى للحصول على مثل هذه الصفقة واسعة النطاق عند خط النهاية.
وقال: "هذه لحظة في تاريخ العالم، سأفعل كل ما بوسعي لإنجاز هذا الاتفاق لأنه يضع إيران في صندوق، ويعطي بعض الأمل للفلسطينيين، ويعيد ضبط الشرق الأوسط بكل الطرق الصحيحة".
وأضاف: "أعتقد أن بايدن سيُنسب له الفضل، وترامب كذلك وأنا وعندما تنظر إلى ما فعلته خلال فترة وجودك في مجلس الشيوخ، سيكون هذا استغلالا جديرا لوقتي".