كيف تؤثر أزمة تغير المناخ على مرضى الصحة النفسية؟

علوم وصحة
نشر
8 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- مع تفاقم أزمة المناخ، أصبحنا نعرف المزارعين الذين تجف محاصيلهم والأشخاص الذين فقدوا منازلهم بسبب حرائق الغابات المتفشية.

ولكن هناك مجموعة أخرى تمثل أزمة المناخ تهديدًا مميتًا بالنسبة إليهم، أي الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية مثل الفصام، أو الاضطراب ثنائي القطب، أو القلق.

وقد أصبح هذا التهديد حقيقة بالنسبة لبعض الناس.

وخلال موجة حر غير مسبوقة في كولومبيا البريطانية في يونيو/ حزيران 2021، اتضح أن 8٪ من الأشخاص الذين توفوا بسبب الحرارة الشديدة قد تم تشخيصهم بمرض الفصام، وفقًا لدراسة أجريت في مارس/ آذار الماضي.

وهذا ما جعل هذا الاضطراب بمثابة عامل أكثر خطورة من جميع الحالات الأخرى التي درسها الباحثون، بما في ذلك أمراض الكلى ومرض الشريان التاجي.

من جانبه، قال الدكتور روبرت فيدر، وهو طبيب نفسي متقاعد من نيو هامبشاير وممثل الجمعية الأمريكية للطب النفسي لدى اتحاد المجتمع الطبي المعني بالمناخ والصحة: "مع استمرار ارتفاع درجة الحرارة، سوف تتضخم هذه التأثيرات. سيكون هناك المزيد من العواصف، والمزيد من الحرائق، وسيكون الناس أكثر قلقًا بشأن ما يمكن أن يحدث".

ووجدت العديد من الدراسات أن ارتفاع درجات الحرارة يرتبط أيضًا بمحاولات الانتحار وزيادة معدلات زيارات أقسام الطوارئ المتعلقة بالصحة النفسية. كما أن التعرض طويل الأمد لتلوث الهواء، الناجم عن تفاقم أزمة المناخ، ارتبط بارتفاع القلق وزيادة حالات الانتحار.

وأوضح الخبراء أن ما يحدث في أدمغة الأشخاص المصابين بالفصام أو غيره من الحالات يعد مجرد عامل واحد يجعلهم أكثر عرضة للحرارة الشديدة وتلوث الهواء والإجهاد، ويحتاجون إلى الدعم من أحبائهم والمجتمعات المحيطة بهم وصانعي السياسات.

وشرح الخبراء أن ما يحدث في أدمغة الأشخاص المصابين بالفصام أو حالات أخرى هو مجرد عامل واحد يجعلهم أكثر عرضة للحرارة الشديدة وتلوث الهواء والتوتر، ويحتاجون إلى الدعم من أحبائهم والمجتمعات المحيطة بهم وصانعي السياسات.

الحرارة الشديدة والصحة النفسية

ما يجعل بعض المرضى النفسيين أكثر عرضة لأضرار الحرارة الشديدة - مثل ضربة الشمس أو الموت - يبدأ في جزء من الدماغ يسمى منطقة ما تحت المهاد الأمامي، فكر في الأمر باعتباره منظم حرارة الجسم.

وقال الدكتور بيتر كرانك، الأستاذ المساعد في قسم الجغرافيا والإدارة البيئية بجامعة واترلو في كندا: "هذا هو الجزء من الدماغ الذي يعمل ليخبرك - عندما تشعر بالحرارة الشديدة أو بالبرد الشديد - أن تبدأ في الارتعاش، وتبدأ في التعرق، وهي آلية تبريد الجسم".

وكرانك هو المؤلف الرئيسي لدراسة أجريت خلال مارس/ آذار حول الارتباط بين درجات الحرارة في مدينة فينيكس بولاية أريزونا، ودخول الأشخاص المصابين بالفصام إلى المستشفى.

وأضاف: "إنها تخبر بقية عقلك أنك بحاجة إلى اتخاذ إجراءات سلوكية، مثل شرب الماء أو ارتداء معطف عندما يكون الجو باردًا جدًا، أو خلع المعطف عندما يكون الجو دافئًا".

ولفت أن الاضطرابات، سواء كان اضطراب ثنائي القطب، أو انفصام الشخصية، أو الهوس الاكتئابي، جميعها تعيق النقل العصبي للمعلومات إلى ذلك الجزء من الدماغ.

وأوضح الخبراء أن القدرة على تنظيم درجة حرارة الجسم قد تكون لها علاقة أيضًا بالمواد الكيميائية في الدماغ، مثل السيروتونين والدوبامين، التي تكون منخفضة بشكل عام لدى أدمغة الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات.

من جانبه، قال الدكتور جوشوا ورتزل، الطبيب النفسي لدى مستشفى برادلي بجامعة براون في رود آيلاند ورئيس لجنة الجمعية الأمريكية للطب النفسي المعنية بتغير المناخ والصحة العقلية: "إن منطقة ما تحت المهاد تعتمد بشكل مباشر على تحفيز السيروتونين. وتتأثر مستويات السيروتونين في الدماغ بدرجات الحرارة في الخارج، لذا عندما نتلاعب بمستويات السيروتونين في الدماغ بالأدوية، فإن ذلك قد يغير قدرة الشخص على التعرق".

يمكن لبعض الأدوية المستخدمة لعلاج هذه الاضطرابات أن تزيد من المخاطر من خلال التأثير على القدرة على التعرق أو رفع درجة حرارة الجسم الأساسية.

ويمكن لعادات نمط الحياة، المهمة لإدارة أعراض الصحة النفسية، أن تتأثر أيضًا، إذ درجات الحرارة الدافئة يمكن أن تتداخل مع جودة النوم، الذي يعد عاملا مهما لإدارة أعراض الصحة النفسية.

إضافة إلى ذلك، قال فيدر إن طبيعة معظم حالات الصحة النفسية تتمثل في كون الشخص معرضًا لخطر الإصابة بنوبات متكررة من المرض الذي شخص به. وغالبًا ما تحدث هذه النوبات بسبب نوع من التوتر، ومن المؤكد أن الكوارث المناخية تسبب التوتر.

ويمكن أن تساهم السلوكيات الناجمة عن هذه الحالات أيضًا في زيادة خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة أو الوفاة.

على سبيل المثال، قد تعني حالة الذهان التي قد يعاني منها الأشخاص المصابون بالفصام أنهم لا يفسرون الواقع بشكل صحيح، لذلك "قد لا يدركون حتى أنهم محمومون، أو قد يعتقدون أن مصدر ارتفاع درجة حرارتهم يرجع إلى سبب غريب أو غير عقلاني ولا يستجيبون بالشكل المناسب لجعل أنفسهم (أكثر أمانًا)".

والأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية هم أيضًا أكثر عرضة للعلاج الذاتي بالأدوية التي تتداخل مع قدرة الجسم على الإحساس بالحرارة والاستجابة لها.

كيف تحمي نفسك والآخرين؟

تحدث مع طبيبك حول ما إذا كان الدواء الذي تتناوله يجعلك أكثر عرضة للحرارة الشديدة نظرًا لأن بعض منشورات هذه الأدوية قد لا تدرج هذا الخطر كأثر جانبي محتمل.

وأضاف ورتزل أنه إذا استمر تغير المناخ في التفاقم، فسيكون هذا في الحقيقة أحد الآثار الجانبية التي سيتعين علينا أن نقلق بشأنها أكثر فأكثر.

مع ذلك، أكد ورتزل أن هذا ليس سببًا للتوقف عن تناول مضادات الذهان، على سبيل المثال، لكنه سبب وجيه للعناية بنفسك خلال موجات الحر.

وأشار ورتزل إن معالجة أزمة المناخ، وهي أصل المشكلة، هي بالطبع الحل الأكثر أهمية. وأضاف أنه على مستوى السياسات، من ضروري توسيع نطاق الوصول إلى مراكز التبريد والموارد الأخرى، وتوفير المزيد من التمويل للأبحاث التي من شأنها أن تساعدنا على فهم تأثير الحرارة على الصحة النفسية بشكل أفضل.

وهناك خطوات يمكن للأفراد والمجتمعات اتخاذها لحماية الأشخاص الضعفاء عندما يأتي الطقس الحار.

وقال ورتزل: "يجب على المرضى أن يدركوا أنهم عرضة للإجهاد. يجب التأكد من أن لديهم إمكانية الوصول إلى تكييف الهواء، للحفاظ على رطوبة الجسم ومراقبة تواجدهم بالخارج، وتجنب الأوقات الأكثر حرارة من اليوم".

وينصح كرانك بوضع واقي الشمس وارتداء القبعات والملابس فضفاضة ذات ألوان فاتحة. يمكن أن يساعد الاستحمام بالماء البارد أيضًا في الحفاظ على انخفاض درجة الحرارة الأساسية.