هل تمكّن العلم من تحديد سبب تزايد الولادات المبكرة؟

علوم وصحة
نشر
9 دقائق قراءة
gettyimages-1211339824.jpg
Credit: miljko/E+/Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تتزايد ظاهرة الولادات المبكرة غير أنّ الخبراء ما برحوا غير متأكدين من السبب الحقيقي لحدوث ذلك. لكنّ دراسة جديدة توصّلت إلى أنّ المواد الكيميائية الاصطناعية التي تسمى الفثالات، والمستخدمة في تغليف المواد الغذائية ومنتجات العناية الشخصية قد تكون السبب.

وأظهرت الأبحاث السابقة أنّ الفثالات، المعروفة باسم "المواد الكيميائية في كل مكان" لشيوعها الكبير، هي مواد معطلة للهرمون يمكن أن تؤثر على كيفية عمل المشيمة التي تمنح الحياة. فالأخيرة هي مصدر الأكسجين والمواد المغذية للجنين النامي في رحم الأم.

وقال المؤلف الرئيسي الدكتور ليوناردو تراساندي، مدير طب الأطفال البيئي في جامعة نيويورك لانغون هيلث إنه "يمكن أن تساهم الفثالات أيضًا بالالتهابات التي قد تعطّل المشيمة بشكل أكبر وتحدد خطوات المخاض المبكر".

ولفت تراساندي إلى أن "الدراسات تشير إلى أن أكبر ارتباط بالولادة المبكرة مردّه إلى مادة الفثالات الموجودة في عبوات المواد الغذائية التي تسمّى دي (2-إيثيلهيكسيل) الفثالات، أو DEHP". وتابع أنه "في دراستنا الجديدة، وجدنا أن مادة DEHP وثلاث مواد كيميائية مماثلة قد تكون مسؤولة عن 5 إلى 10٪ من جميع الولادات المبكرة في عام 2018. وقد يكون هذا أحد أسباب ارتفاع عدد حالات الولادات المبكرة".

وتترجم هذه النسبة إلى نحو 57 ألف ولادة مبكرة في الولايات المتحدة خلال عام 2018، بتكلفة مجتمعية قدرت بـ4 مليارات دولار في ذلك العام، وفق ما ذكرت الدراسة المنشورة في مجلة Lancet Planetary Health، الثلاثاء.

وقالت أليكسا فريدمان، عالمة بارزة في علم السموم ضمن مجموعة العمل البيئي، أو EWG، لـCNN: "ركزت هذه الورقة على العلاقة بين التعرض الفردي للفثالات والولادة المبكرة. لكن هذه ليست الطريقة التي يتعرض بها الناس للمواد الكيميائية".

وتابعت فريدمان، غير المشاركة في الدراسة: "إنهن يتعرّضن يوميًا لأكثر من مادة فثالات في المنتجات التي يستخدمنها، وبالتالي فإن خطر الولادة المبكرة قد يكون أكبر في الواقع".

وأفاد مجلس الكيمياء الأمريكي، وهو اتحاد تجاري صناعي لشركات الكيماويات الأمريكية، لـCNN، إن التقرير لم يثبت العلاقة السببية.

وأوضح متحدث باسم لجنة الفثالات العالية التابعة للمجلس، بأن "ليست كل الفثالات متشابهة، ولا يجب جمعها بفئة واحدة. فمصطلح ’الفثالات‘ يشير ببساطة إلى عائلة من المواد الكيميائية التي تتشابه من الناحية الهيكلية، لكنّها تختلف وظيفيًاـ ومن الناحية السمية".

"المواد الكيميائية في كل مكان"

على الصعيد العالمي، يتم استهلاك قرابة 8.4 مليون طن متري من الفثالات والمواد البلاستيكية الأخرى سنويًا، بحسب جمعية صناعة البلاستيك الأوروبية، وهي جمعية تجارية صناعية.

يضيف المصنعون الفثالات إلى المنتجات الاستهلاكية لجعل البلاستيك أكثر مرونة وأصعب على الكسر، لا سيّما في منتجات البولي فينيل كلورايد، أو PVC، مثل ألعاب الأطفال.

ونجد الفثالات أيضًا في المنظفات، وفي أرضيات الفينيل، والأثاث، وستائر الدش، وبلاستيك السيارات، وزيوت التشحيم والمواد اللاصقة، وفي المنتجات المقاومة للأمطار والبقع، كما في الملابس والأحذية. وهذه المادة موجودة أيضًا في العشرات من منتجات العناية الشخصية، ضمنًا الشامبو، والصابون، ورذاذ الشعر، وطلاء الأظافر، فتساهم بجعل الرائحة تدوم لفترة أطول.

وقد ربطت الدراسات الفثالات بمشاكل السمنة المفرطة لدى الأطفال، والربو، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، ومشاكل الإنجاب مثل التشوهات التناسلية والخصيتين غير النازلتين عند الأطفال الذكور، وانخفاض عدد الحيوانات المنوية ومستويات هرمون التستوستيرون لدى الذكور البالغين.

في هذا الصدد علّق تراساندي: "لم تعد لجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية تسمح باستخدام ثمانية أنواع مختلفة من الفثالات بمستويات أعلى من 0.1% في صناعة ألعاب الأطفال ومنتجات العناية بالأطفال. ورغم ذلك، لم يشمل هذا التقييد استخدام العناصر الثمانية هذه في توضيب المواد الغذائية من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)".

واستجابة للمخاوف الحكومية والمستهلكين، قد يقوم المصنعون بإنشاء إصدارات جديدة من المواد الكيميائية التي لم تعد تخضع لأية قيود. لنأخذ DEHP، على سبيل المثال الذي استبدل بالفثالات الأحدث المسمّى di-isodecylphthalate (DiDP)، وdi-n-octyl phthalate (DnOP)، وdiisononyl phthalate (DiNP).

هل المواد الأخيرة من الفثالات أكثر أمانًا من الأصلية؟ ليس هذا ما يعتقده العلماء عقب ما اكتشفوه مع مرور سنوات وتخصيص آلاف الدولارات لاختبار المواد الجديدة.

وسألت عالمة السموم ليندا بيرنباوم، المديرة السابقة للمعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية، وللبرنامج الوطني لعلم السموم، غير المشاركة في الدراسة، "لماذا نعتقد أنه يمكنك إجراء تغيير طفيف جدًا في الجزيء الذي تقوم بتصنيعه ولن يتفاعل الجسم عليه بالطريقة عينها؟".  

وأشارت بيرنباوم في حديث لها مع CNN، إلى أنه "يجب تنظيم الفثالات كفئة (من المواد الكيميائية). لقد حاول الكثير منا إنجاز شيء ما في هذا الشأن لسنوات".

مقايضات أكثر خطورة

استخدم البحث الجديد بيانات استقاها من دراسة التأثيرات البيئية للمعاهد الوطنية للصحة على نتائج صحة الطفل، أو ECHO، التي تبحث في أثر التأثيرات البيئية المبكرة على صحة الأطفال ونموهم. وتمّ تقييم  الأمهات الحوامل ومواليدهنّ الجدد من خلال فحص عينات الدم والبول، والعينات البيولوجية الأخرى لتحليلها، في 69 موقعًا في أمريكا.

حدد الفريق 5006 أمهات حوامل مع عينات بول أثبتت نتائج إيجابية لأنواع مختلفة من الفثالات، وقارنت تلك مع عمر الحمل للطفل عند الولادة، والوزن عند الولادة، وطول مدة الولادة.

وتم سحب البيانات أيضًا من المسح الوطني لفحص الصحة والتغذية لعامي 2017-2018، وهو برنامج حكومي يقيّم الحالة الصحية والتغذوية للأمريكيين باستخدام مزيج من المقابلات، والفحوص البدنية، والتحليل المختبري للعينات البيولوجية.

بعد تحليل المعلومات، تمكن تراساندي وزملاؤه من تأكيد الأبحاث السابقة التي أظهرت وجود ارتباط كبير بين DEHP وحالات الحمل الأقصر، والولادة المبكرة.

ومع ذلك، فمن المثير للاهتمام أن فريق البحث وجد أن أنواع الفثالات الثلاثة التي صنّعتها الشركات كي تحل مكان DEHP، كانت في الواقع أكثر خطورة من DEHP عندما يتعلق الأمر بالولادة المبكرة.

وأوضح  تراساندي: "عندما بحثنا بشكل أعمق في هذه البدائل، وجدنا تأثيرات أقوى لـDiDP وDnOP وDiNP. لقد استغرق الأمر جرعة أقل من أجل الوصول إلى نتيجة الولادات المبكرة عينها".

مخاطر على الأطفال المولودين قبل أوانهم

تُصنّف الولادة قبل أوانها في حال تمت قبل الأسبوع الـ37 من الحمل، على أن مدة الحمل الكاملة هي 40 أسبوعًا وما فوق. فالأعضاء الحيوية وجزء من الجهاز العصبي قد لا يكتمل نموه، فتعرّض الولادة المبكرة الطفل للخطر. غالبًا ما يتم إدخال الأطفال الذين يولدون قبل أوانهم بكثير إلى المستشفى على الفور لمساعدة الرضيع على التنفس، ومعالجة أي مشاكل في القلب، والجهاز الهضمي، والدماغ، أو عدم القدرة على مكافحة العدوى.

عندما يكبر الأطفال المولودين قبل الأوان، قد يعانون من مشاكل في الرؤية والسمع والأسنان، بالإضافة إلى تأخر فكري وتنموي، وفق عيادات مايو كلينك. يمكن أن تساهم الولادة المبكرة في الإصابة بالشلل الدماغي، والصرع، واضطرابات الصحة العقلية مثل القلق، والاضطراب ثنائي القطب، والاكتئاب.

عند البالغين، قد يعاني الأشخاص المولودون قبل الأوان أيضًا من ارتفاع ضغط الدم، والكوليسترول، والربو، والتهابات الجهاز التنفسي الأخرى، وقد يصابون بمرض السكري من النوع الأول والنوع الثاني، وأمراض القلب، وقصور القلب، أو السكتة الدماغية.

وقالت أليكسا فريدمان من EWG إن كل هذه النفقات الطبية تتراكم، ما يسمح لتراساندي وزملائه بتقدير التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة في مجال الرعاية الطبية والإنتاجية الاقتصادية المفقودة بسبب الولادات المبكرة" بمبلغ مذهل يبلغ 3.8 مليار دولار".

وخلصت فريدمان إلى "أنّ التكلفة الحقيقية تكمن في الأثر على صحة الرضع".