دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بهدف معرفة المزيد عن جيناتهم، يسعى ملايين الأشخاص حول العالم ليس فقط لكشف المعلومات عن أسلافهم، بل لمعرفة تأثير جيناتهم على صحتهم، وغذائهم، وما تتمتّع به لياقتهم البدنية من إمكانيات وخطر التعرض للإصابة.
وبحسب التقرير التحليلي للسوق الصادر عن شركة Grand View Research، يتوقع أن يرتفع السوق العالمي لهذه الاختبارات الجينية المباشرة للمستهلك في السنوات القليلة المقبلة، حيث يُتوقع أن تسجل ارتفاعًا من 1.9 مليار دولار في عام 2023، إلى 8.8 مليار دولار بحلول عام 2030. كما يُظهر التحليل أن أمريكا الشمالية رائدة في هذا المجال، حيث تبلغ حصتها من السوق 60.5%، رغم أنه يتوقّع أن تصبح أوروبا السوق الأسرع نموًا خلال السنوات الست المقبلة.
وكانت أفادت إحدى الدراسات السابقة أنه في عام 2013، قدمت حوالي 20 شركة، اختبارات جينية مباشرة للمستهلك تتّصل بالأداء الرياضي ومخاطر الإصابة. وشهد هذا العدد ارتفاعًا وصل حد 70 شركة تقريبًا بحلول عام 2019.
إلى ذلك، لفتت دراسة وضعت عام 2020، في المجلة الهندية لجراحة العظام، إلى أنّ أوزبكستان والصين تستخدمان الاختبارات الجينية في برامج تحديد المواهب الأولمبية، في حين يستخدم لاعبو دوري الرغبي الوطني الأسترالي اختبارات الحمض النووي، لتكييف تدريباتهم في مجال الركض السريع أو رفع الأثقال.
ورغم كل هذا الضجيج، رأى العديد من الباحثين أنّ هذه الاختبارات، رغم دعايتها الكبيرة، تستند إلى القليل جدًا من العلوم الصلبة. أحد هؤلاء المشككين هو الدكتور تيموثي كولفيلد، الأستاذ بكلية الحقوق وكلية الصحة العامة في جامعة ألبرتا بإدمونتون.
وقال كولفيلد: "دأبت على متابعة هذا المجال منذ أواخر تسعينيات القرن الماي، ولم يظهر أنّ التقدّم كبير".
الإثارة في البداية
كان هناك الكثير من الإثارة حول الاختبارات الجينية عندما اكتشف العلماء جينات BRCA1 وBRCA2، تباعًا في عامي 1994 و1995. وُجد أن النساء اللواتي لديهنّ طفرات في أي من هذه الجينات أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي بنسبة تتراوح بين 60 و80٪ خلال حياتهنّ. إلى ذلك، فإنّ الطفرة في BRCA1 تعني خطر الإصابة بسرطان المبيض مدى الحياة بنسبة تتراوح بين 40 و50%، في حين أنّ الطفرة في BRCA2 تحمل خطرًا مدى الحياة بنسبة تتراوح بين 10 و20%.
وأعرب كولفيلد "عن وجود أمل حينها في أن نجد الكثير من الجينات مثل هذه التي يمكن التنبؤ من خلالها، ما يسمح لنا باتخاذ خطوات لإحداث فرق في صحتك. لكن الأمر في الواقع لم يسِر على هذا النحو".
عوض ذلك اكتشف العلماء أن كيفية عمل جيناتنا هو بالأمر المعقد، خصوصًا عندما يتعلق باللياقة البدنية والرياضة، على حد قوله. وأوضح أن "ليس هناك شك في أن الجينات مهمة، لكن السؤال يتمحور حول مدى أهميتها؟". وتابع: "حتى عندما تنظر إلى لاعبي الوثب الطويل على المستوى الأولمبي الذين يحتاجون إلى حركات قوية للغاية، فلا يملكون جميعهم جين الركض السريع. إذا كان الأمر مهمًا حقًا، فسيتعين أن نجده لدى الجميع".
في الواقع، يقول العلماء أنّ هناك العديد من العوامل الإضافية عندما يتعلق الأمر بالمواهب الرياضية والنجاح، مثل النظام الغذائي، والنوم، والتدريب، والتحفيز، والخلفية الاجتماعية والاقتصادية، وحتى تجارب الرحم. وبالمثل، هناك متغيرات لا حصر لها عندما يتعلق الأمر بخطر الإصابة.
وهناك مصدر آخر يثير القلق بين الباحثين هو الصلاحية العلمية وراء هذه الاختبارات.
في هذا الصدد أشار الدكتور ديلان ماكاي، الأستاذ المساعد بالتغذية والأمراض المزمنة في جامعة مانيتوبا بوينيبيغ، كندا، إلى أنه يرجح أنّ دقة الاختبارات الجينية الفعلية جيدة، إلا أنّ العلم وراء كيفية تفسير الشركات للنتائج يمكن أن يشكل مشكلة.
ولفت ماكاي: "في كثير من الأحيان تعتمد هذه الاختبارات على الارتباطات، وليس على تجارب عشوائية ومضبوطة تبحث عن تأثير سببي. على سبيل المثال، يرتبط استهلاك البطيخ بالغرق، لأن عددًا أكبر من الناس يسبحون في الموسم عينه الذي يأكلون فيه البطيخ. لكن هذا مجرد ارتباط".
وغالبًا ما تكون النصائح التي تقدمها الشركات بناءً على نتائج الاختبار غامضة أو قياسية أيضًا. إذ أشارت نتائج كولفيلد إلى أنه كان معرضًا لخطر الإصابة ببعض مشاكل القلب والأوعية الدموية والسرطان.
أما النصيحة الشخصية التي يقدمها كولفيلد للبقاء بصحة جيدة فتتمثل بـ"تناول طعام جيد، وممارسة الرياضة بانتظام، وعدم التدخين، واستهلاك الكحول باعتدال".
لكن ما سرّ انبهار البعض بهذه الفحوص؟
رغم هذه المشاكل، لا يزال الكثيرون مهتمين باختبارات اللياقة البدنية للحمض النووي. أحد هؤلاء الأشخاص هو ديفين ماير، المالك المشارك لصالة Balance Gym في واشنطن العاصمة. في الآونة الأخيرة، دخلت Balance Gym بشراكة مع FitnessGenes، وهي شركة تأخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها وتعنى ببيع الاختبارات الجينية، لمساعدة عملائها على تحقيق نتائج أفضل في تمارينهم.
وفي حين أن الاختبارات لا تقدم تعليمات دقيقة للحصول على لياقة بدنية، إلا أن ماير قال إنه يعتقد أنها قد تكون مفيدة. كان أحد عملائه يحاول بناء العضلات من خلال ممارسة رفع أوزان أثقل، إنما بوتيرة أدنى. وأظهرت نتائج اختباره أن نوع عضلاته سيكون أفضل مع التدريب بكميات أكبر، لذلك جعله ماير يتحول إلى رفع الأوزان الخفيفة مع المزيد من التكرارات. وفي غضون شهر أو اثنين، كان العميل يرى المكاسب العضلية المطلوبة.
وقال ماير إن هذه الاختبارات يمكن أن تساعدك أيضًا على تمييز نقاط القوة والضعف لديك، حتى تتمكن من معالجتها.
وأضاف: "قد لا تكون لديك الجينات التي تجعلك رياضياً جيداً، لكن إذا كنت ترغب بالمشاركة في سباق الماراثون، فيمكننا مساعدتك على التدرّب بشكل أفضل حتى تتمكن من القيام بذلك".
وتابع إنه يعتقد أن هناك الكثير من الإمكانات في هذا المجال أيضًا، فـ"حمضنا النووي لا يتغير، ولكن العلم والمعلومات يتغيران، وسيستمران بذلك".
قد يسلّط الوقت والتقدم العلمي المزيد من الضوء على مدى الإفادة من إجراء اختبارات كفاءة الحمض النووي. لكن الأمر ما زال موضع شك بالنسبة لماكاي.
وأوضح: "أنا أعمل في هذا المجال منذ فترة طويلة، وفي حين تتحسن الاختبارات الجينية، تغيب النتائج الجديدة التي قد تصنّف رائدة".
وأمل كولفيلد بألا يستخدم الأهل هذه الاختبارات لإجبار أطفالهم على ممارسة رياضة أو نشاط معين أو الابتعاد عنه.
وخلص إلى أن "الجينات ليست حاسمة بشأن رياضة تستهويك وستجيدها أو لا. يجب أن تفعل ما تحب، ولا تدع هذه الاختبارات الجينية تعقد الأمر أكثر ممّا ينبغي".