التوتر..متى يُصبح مشكلة وكيف تسيطر عليه؟

علوم وصحة
نشر
7 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) --خلال الشهر الوطني للتوعية على التوتر، ما من شكّ بأنّ التوتر يُشكّل جزءً أساسيًا من حياتنا اليومية، لكن في حال تفاقم قد يكون له آثارًا ضارّة على الصحة الجسدية والعقلية للفرد

ماذا يفعل التوتر بالجسم؟ متى يصبح مشكلة، وهل من وسائل  للتعامل معه؟ وكيف يتصرّف الفرد إزاء الضغوطات التي يتعرض لها مثل العمل الشاق، أو مسؤوليات تقديم الرعاية.. التي لا يمكن أن تختفي بسهولة؟

أجابت الدكتورة ليانا وين، خبيرة الصحة لدى CNN، وطبيبة طوارئ، وأستاذة مساعدة في جامعة جورج واشنطن، والتي سبق وعملت كمفوضة الصحة في بالتيمور، عن هذه الأسئلة.

أثر التوتر على جسم الإنسان

وأوضحت وين أنه حين يواجه الناس تهديدًا محسوسًا، يُطلق الجسم مجموعة متنوعة من الهرمونات التي تجعل القلب ينبض بشكل أسرع، ويزيد من ضغط الدم والسكر في الدم. تحوّل هذه الهرمونات الطاقة بعيدًا عن أجزاء أخرى من الجسم أيضًا، مثل الجهاز المناعي والجهاز الهضمي. هذه هي التكيفات التطورية التي ساعدت الناس ذات يوم على الاستجابة لمواقف مثل مطاردة الحيوانات المفترسة لهم. وتعتبر استجابات "القتال أو الهروب" طبيعية وقد تكون مفيدة في الحياة المعاصرة. 

ولكن، تبدأ المشكلة عندما تكون استجابة الجسم للتوتر مستمرة. ويمكن أن تؤدي حالة "القتال أو الهروب" الدائمة إلى العديد من المشاكل المزمنة مثل القلق، والاكتئاب، وأمراض الصحة العقلية الأخرى. وقد يعاني الأفراد أيضًا من الصداع، وتوتر العضلات، وآلام البطن، واضطرابات النوم، وانخفاض المناعة ضد الالتهابات، ومشاكل في الذاكرة والتركيز. كما تم ربط التوتر المزمن بزيادة احتمال الإصابة بارتفاع ضغط الدم، والسكري، والنوبات القلبية، والسكتة الدماغية.

متى يصبح مشكلة؟ 

التوتر
Credit: Archive Photos/Hulton Archive/Getty Images

من الطبيعي أن يعاني الأشخاص من التوتر بسبب الأحداث الضاغطة المنفصلة (تلك التي لها بداية واضحة مثل ولادة طفل، أو بدء وظيفة جديدة، أو الطلاق، أو وفاة أحد أفراد أسرته) التي تحدث في حياتهم. ولكن المشكلة هي عندما يصبح التوتر حالة مزمنة يُعاني منها الشخص.

تشمل العلامات التحذيرية التي يجب البحث عنها تلك المتصلة بمخاوف تتعلق بالصحة العقلية، أو المظاهر الجسدية للتوتر، مثل خفقان القلب، أو ألم في البطن، أو صداع. كما أنّ بعض الأشخاص يحاولون التغلب على التوتر باستخدام الكحول أو المخدرات. قد يكون تغيير استخدام الممنوعات بمثابة علامة حمراء للبحث عن الضغوطات الأساسية.

ونصحت وين الأشخاص بأن يسألوا أنفسهم ما إذا كان التوتر يؤثر سلبًا على وظائفهم في المنزل، والعمل، وفي علاقتهم مع أصدقائهم. أما الشخص الذي يجد نفسه عصبيًا بشكل غير عادي ويهاجم أحبائه وزملائه، فقد يفعل ذلك أيضًا بسبب التوتر المفرط.

تخفيف التوتر يُصبح أولوية.. لكن متى؟ 

بحسب ما ذكرته وين، يُصبح التفكير بالتوتر كأمر في حياتنا قابل للتعديل، تمامًا مثل ارتفاع ضغط الدم، أو ارتفاع نسبة السكر في الدم. قد لا يكون ممكنًا تغيير عامل الضغط نفسه، تمامًا كما لا يمكننا تغيير استعدادنا الوراثي لارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري. ومع ذلك، فإن رد فعلنا يقع ضمن سيطرتنا. ورد فعلنا تجاه الضغوطات هو ما يحدّد نتائجنا الصحية. إذا كان للتوتر آثارًا ضارة على صحتنا إسوة بارتفاع ضغط الدم والسكري، عندها يمكننا، ويجب علينا، البحث عن طرق للتخفيف من هذه الآثار.

لكن وين أوضحت أن هناك طرقًا جيدة وسيئة للتعامل مع التوتر. ولفتت إلى أن البعض قد يلجأ إلى وسائل غير جيدة لأنها تمنحهم شعورًأ بالتحسن على المدى القصير، غير أنه يترتب عليها مخاطر حقيقية. وهذه الوسائل هي مثل شرب الكحول، وتعاطي المخدرات، وليست استراتيجيات صحية للتكيف. والأمر ينسحب على الإفراط بالأكل أو التدخين.

وأشارت إلى أنه من المهم توقع متى ثمة احتمال حدوث مواقف مرهقة، لأنّ ذلك يساعدك على توقع رد فعلك والتخطيط وفقًا لذلك.

كما نصحت بأن يقوم الأشخاص بإعداد قائمة بتقنيات تخفيف التوتر التي نجحت معهم في الماضي. وتجربة تقنيات جديدة، مثل تمارين التنفس العميق الذي يمكن للجميع تجربته لأنه يساعد على مواجهة اللحظة المجهدة، كما هي الحال مع التأمل الذهني.

وتشجّع وين على ممارسة التمارين الرياضية. هناك أدلة علميّة ممتازة على أن التمارين الرياضية فعالة جدًا في إدارة التوتر، لأنها تقلّل من هرمونات التوتر وتزيد من هرمون الإندورفين، الناقل العصبي الذي يساعد على الشعور بالسعادة، ويمكنه المساهمة باسترخاء الجسم، وتحسين الحالة المزاجية.

نصيحة للتخفيف من التوتر

تعترف وين بأن العديد من الأشخاص يعانون من مواقف مرهقة لا يمكنهم تغييرها. وترى أنه من المفيد أن تكون صريحًا بشأن ذلك. وتعترف بأن تغيير الوضع ليس تحت سيطرتك. لكن ما هو تحت سيطرتك يتمثل برد فعلك على الموقف.

ولفتت إلى أن الوعي الذاتي والرعاية الذاتية يلعبان دورًا في غاية الأهمية، إذ يساعدان الفرد على التعرّف إلى التوتر لدى الشعور به، من خلال تشنج عضلات الرقبة والظهر، أو البطن. ونصحت بممارسة التنفس العميق والتأمل وسواها من التمارين التي تساعدك على المدى القصير.

وأشارت وين إلى أنه بغية تحقيق الفائدة على المديين القصير والطويل، من الضروري تخصيص وقت للرعاية الذاتية، أي ممارسة الأنشطة التي تستمتع بها والتي يمكن أن تشتت ذهنك عن مواقف الحياة العصيبة. وقد تشمل المشي مع صديق جيد، أو البستنة، أو اللعب مع حيواناتك الأليفة، أو قراءة كتاب جيد . 

ونصحت بالتفكير في الوقت الذي تخصصه لنفسك كنوع من العلاج.

وخلصت وين إلى أنه معلوم أن التوتر من بين العوامل التي قد تؤثر على رفاهيتك، لذا خصص مساحة أكبر للجوانب الأخرى التي تساهم في تعزيز الصحة العامة. وأعطت أمثلة مثل  الحصول على نوم كافٍ ومريح، وتناول أطعمة صحية وكاملة، والتقليل من استهلاكك للمنتجات فائقة المعالجة. تأكد من علاج الحالات الطبية المزمنة الأخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم. ولا تنتظر طلب المساعدة من مقدم الرعاية الصحية العقلية أو الرعاية الأولية إذا كان الضغط الذي تعاني منه يؤدي إلى استمرار تدهور الصحة العقلية أو الضيق الجسدي.