دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)— حقّقت المصوّرة السلوفاكية، بيترا باسناكوفا، سلسلة من الاكتشافات الرائعة التي غيّرتها على المستوى الشخصي خلال رحلة استمرّت ثلاث سنوات بين العائلات البدوية الفلسطينية.
وقالت باسناكوفا لـCNN: "كانت رحلة التصوير الفوتوغرافي هذه بمثابة دعوة للاستيقاظ بالنسبة لي لأنها غيرت شخصيتي بالكامل".
وتابعت: "لقد نضجت ووجدت سلامي الداخلي، وبدأت أقدّر الأشياء وهذا ما لم أكن أفعله من قبل".
وجاء كتابها للصور الفوتوغرافية، "Born of Sand and Sun"، نتيجةً للرحلة، بمحض الصدفة.
وخلال رحلة مع الأصدقاء إلى مقام النبي موسى شرق القدس، الذي كان جزءًا من رحلتها الأولى خارج أوروبا، توجّهت باسناكوفا في جولة خاصة إلى عمق صحراء يهودا، المعروفة باسم البرية لمضيفيها الذين يفضلون الاسم العربي لهذه الصحراء.
وفي ظل الجو الساخن الذي لم تعتد عليه، تذكرت أنّها جلست لتريح رأسها لكي تستيقظ أمام "معجزة"، أي صبي بدوي على متن حمار أبيض يرعى اثنين من الماعز، وكان قد أشار إليها بأن تتبعه.
وقالت باسناكوفا إنّها فعلت ذلك بشكل غريزي.
وكتبت السلوفاكية في كتابها: "انطلقنا في رحلة قوامها الثقة (التي جمعت) بين غريبين من عوالم مختلفة، وقادتنا إلى أغلى شيء.. العائلة".
والألفة التي احتُضِنَت بها باسناكوفا تجسّدت في كتابها الذي يُظهر الرعاة وهم يحدّقون بفخر باتجاه قطعانهم، والأطفال الذين يتشبثون بملابس أمهاتهم الآمنة، والأمهات أثناء تحضير العجين مع بناتهنّ، وتمريرهنّ للتقاليد البدوية التي أصبحت تتلاشى.
وقالت السلوفاكية عن النساء البدويات اللواتي أمضت وقتًا معهنّ: "مع الوقت، أصبحن مثل أخواتي أو أمهاتي، ووجدتهنّ في غاية الشجاعة والقوة".
والبدو الفلسطينيون شعب شبه بدوي، يبلغ إجمالي عدد سكانهم الحالي حوالي 300 ألف نسمة، ويعيشون في منطقة النقب الممتدة من غزة إلى البحر الميت، منذ القرن الخامس تقريبًا، والتي أصبحت الآن جزءًا من جنوب إسرائيل.
وهم يعملون تقليديًا في مجال الزراعة، والرعي، وإنتاج الألبان.
ومن شأن ارتباطهم التاريخي بالمنطقة أن يبدّد أي فكرة تقول إنهم بدو بلا جذور، أو أنّ ديارهم مجرّد "أرض بلا شعب"، كما ادّعى مؤسسو إسرائيل الأوائل غالب الأحيان.
ونظرًا لوضعهم غير المحمي نسبيًا بموجب القانون الإسرائيلي، ومواجهة أسلوب حياتهم وسبل عيشهم تدهورًا مثيرًا للقلق، ذكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير يعود لعام 2017، أنّ البدو الفلسطينيين، وتحديدًا من يقيمون الآن في الضفة الغربية، حيث قضت باسناكوفا معظم وقتها، يعانون من "وطأة الاحتلال"، بسبب القيود المفروضة على حرية تنقّلهم، والتهجير القسري بسبب توسيع المستوطنات، التي يعتبرها معظم المجتمع الدولي غير قانونية، وتعرّضهم لعنف المستوطنين.
وأشارت المصوّرة إلى أنّها لم تلطّف الحقائق الظالمة التي وثّقتها صورها، والروايات التفصيلية المباشرة عن هجمات واعتداءات القوات الإسرائيلية، والمستوطنين، والعنف الذي تزايد في أعقاب الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس.
وقالت السلوفاكية عند استذكارها مواجهة بينها وبين مستوطنين اعتدوا على مجموعة من النساء البدويات أثناء الرعي: "سألتهم: لماذا تفعلون هذا؟ ومن أعطاكم الحق بأن تفعلوا هذا؟".
وتابعت: "قالوا لي: لأننا نستطيع القيام بذلك".
وبحسب باسناكوفا، سخر منها المستوطنون بسبب احتجاجها، قبل أن يقتلوا عددًا من الماعز في القطيع التابع للبدو، والمغادرة.
وأدهشت المصوّرة قدرة البدو الفلسطينيين على تحويل الخردة إلى "مملكة"، على حد قولها، وأطلقت عليهم لقب "مهندسي الصحراء".
ولكن قد تكمن أكثر الفروق التي وثّقتها، في التناقض بين مخيّمات البدو المرتجلة التي غالبًا ما تُشيَّد وتُهدم في ظل نزوات التهجير التعسفية على ما يبدو، المقابلة للمستوطنات الإسرائيلية السكنية الحديثة المتعمتعة بوسائل راحة لا تتوفر عند البدو.
وفي كتابها، تستذكر باسناكوفا إحدى الليالي الرمضانية الهادئة عندما شكرتها نادية، وهي سيدة بدوية وشخصية بارزة في رحلة المصورة، لكونها جس تعاطف بين البدو الفلسطينيين وبقية العالم.
وفي تلك اللحظة، تذكرت باسناكوفا أنّ قلبها "توقف عن النبض" تحت ضغط المسؤولية التي حمّلتها إياها نادية.
ولكن خلال هذه اللحظة أيضًا، أدركت باسناكوفا "مهمّتها" في توثيق ماضي البدويين، وحاضرهم، ومصيرهم.