دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- بسبب العواصف الشديدة، تجد العديد من المدن حول العالم صعوبة في التعامل مع مياه الفيضانات. لكن، عوض اللجوء إلى الحلول الهندسية عالية التقنية، والقائمة على استخدام الخرسانة، يترك كونغ جيان يو الطبيعة تقوم بدورها.
على مدار أكثر من عقد من الزمان، قام المهندس الصيني وشركته "Turenscape" بتصميم "مدن إسفنجية" قائمة على الطبيعة. تهدف بدورها إلى امتصاص مياه الأمطار والاحتفاظ بها قبل إطلاقها مجددًا في البيئة.
وتتنوع هذه المشاريع من حيث الشكل والحجم. على سبيل المثال، يمكن إنشاء منتزهات جديدة، وترميم الأراضي الرطبة، وتركيب حدائق مطرية وأرصفة نفّاذة.
وأوضح يو أنّ مشكلة الحلول القائمة على الخرسانة أنّها مُكلفة، وتتطلب صيانة مستمرة. ويمكن أن تجعل الأماكن أكثر "حساسية أو عرضة" للفيضانات.
ويقترح بدوره إنشاء مناطق ذات تربة مسامية، حيث يمكن للنباتات المحلّية أن تزدهر مع القليل من الصيانة أو من دونها. وفي حال هطول الأمطار، تمتّص الأرض والنباتات المياه، بحيث تمنع بعضها أو حتى كلّها من إغراق المناطق المجاورة.
وقال يو إن المياه الفائضة التي لا يتم امتصاصها ستصبح أكثر بطئًا بفضل الغطاء النباتي، بخلاف الخرسانة التي يمكن أن تُسرّع من تدفّق المياه بشكل خطير.
وصمّمت شركة "Turenscape" أكثر من 10 آلاف من هذه المشاريع في أكثر من 250 مدينة حول العالم، وأنجزت أكثر من ألف مشروع منها.
ويوجد العديد منها في البرّ الرئيسي للصين، حيث نفّذت أكثر من 70 مدينة مبادرات المدن الإسفنجية، منذ إدراج البلاد الفكرة في سياسة التخطيط الحضري الوطنية في العام 2015.
ويُذكر أن معظم هذه المشاريع ليست تابعة لـ"Turenscape"، حيث استعانت بعض الحكومات المحلّية بشركات أخرى.
وتُشكّل الفيضانات مشكلة متنامية في الصين، حيث وصف الزعيم الصيني شي جين بينغ مهمة السيطرة عليها بأنها "تزداد صعوبة"، في أواخر شهر يونيو/ حزيران.
ووفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2021، تواجه 641 مدينة صينية فيضانات منتظمة. ويُعزى ذلك جزئيًا إلى التطور الحضري السريع القائم على الخرسانة.
وعند تصميم مدينة إسفنجية ناجحة، يجب مراعاة عوامل عديدة، أبرزها الموقع، والتضاريس، وأنماط هطول الأمطار، وأنواع النباتات التي قد تزدهر هناك، فضلًا عن احتياجات المجتمع.
وتُقدّر الأبحاث التي أجراها يو وشركته أنه إذا تم تخصيص 20 إلى 30% من أراضي المدينة للمشاريع الإسفنجية، فستكون آمنة من الفيضانات تقريبًا.
وقالت الشركة إن هكتارًا واحدًا من الأراضي الإسفنجية يمكن أن يُنظّف 800 طن من المياه الملوثة، وجعلها آمنة للسباحة فيها.
ومع ذلك، فقد أشار بعض الخبراء إلى أنّ البنية التحتية للمدن الإسفنجية تكافح من أجل التأقلم عندما يتجاوز المطر 200 ملليمتر في اليوم.
على سبيل المثال، تم تصنيف مدينة ماوزو الصينية كمدينة إسفنجية.
لكنّها شهدت بعضًا من أشدّ الفيضانات في الصيف، بعد هطول أمطار غزيرة في إحدى البلدات بمعدّل 369.3 ملليمترًا خلال يوم واحد، وفقًا لصحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الحكومية.
ومن الجدير بالذكر أن "Turenscape" لم تُنشئ أي من المشاريع الإسفنجية بالمدينة.
وفي حديثه مع CNN الشهر الماضي، قال فيث تشان، أستاذ العلوم الجغرافية في جامعة نوتنغهام نينغبو الصينية، إن برامج المدن الإسفنجية في الصين يمكنها عادةً "تخفيف أو تقليل" أثر كميات الأمطار المتوسطة أو حتى الكبيرة، لكنّها "ليست (مصمّمة) للأمطار الغزيرة".
وأضاف أن البنية التحتية الإسفنجية يجب أن تُستكمل بـ"هندسة صلبة"، مثل السدود، لمواجهة الأمطار الغزيرة، مضيفًا: "نحن بحاجة إلى الإجراءين معًا لتحسين (البنية التحتية).. لا يمكننا الاعتماد على أحدهما فقط".
أكثر من مجرد وقاية من الفيضانات
يمكن أن تُقدم المدن الإسفنجية العديد من الفوائد البيئية الأخرى.
وقال تشان إن الحدائق الإسفنجية يمكن أن تساعد على خفض درجات الحرارة في المناطق الحضرية، ومعالجة نقص المياه، فضلاً عن توفير بيئات ممتعة للسكان.
وفي مدينة ووهان الصينية، حيث يمتص أكثر من 380 مشروعًا إسفنجيًا مياه الأمطار ويُحوّلها إلى بحيرات اصطناعية، تبيّن أن جودة الهواء المحلي والتنوع البيولوجي قد تحسّنت منذ تشييدها.
كما تم تسجيل انخفاض في درجات الحرارة في منتزه شاطئ نهر يانغتسي في المدينة، حيث تعزل 45 ألف شجرة ونباتات أخرى ما يُقدّر بـ724 طنًا من الكربون سنويًا.
وفي العام الماضي، منحت مؤسسة "المناظر الطبيعية الثقافية" يو جائزة "أوبرلاندر" بقيمة 100 ألف دولار تقديراً لعمله الرائد.
وقالت إليزابيث موسوب، رئيسة لجنة تحكيم الجائزة وعميدة كلية التصميم والعمارة والبناء بجامعة سيدني للتكنولوجيا: "كان من أوائل الأشخاص، (وTurenscape) من أوائل الممارسين الذين عملوا حقًا على هذه الأفكار التي يجب أن نفهمها ونسخّرها في العمليات الطبيعية".
وأضافت أن عمل يو يختلف عن أعمال معاصريه بسبب الحجم الهائل لمشاريعه والتغيير الذي كان قادرًا على إحداثه.