دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يعبر صف طويل من اللاجئين حقل أرز موحِل، بينما تثقل أكتافهم حمولة من الأمتعة. إنهم مجرد مجموعة من مئات الآلاف من لاجئي الروهينغا، الذين عبروا إلى بنغلاديش بعدما أجبرتهم موجة من العنف على الفرار من ميانمار.
وتنظر فتاة يبدو عليها الجوع من خلال نافذة يغشاها الضباب إلى مطعم في العاصمة الأفغانية كابول، آملة في أنه إذا نظرت لفترة كافية، فسيمنحها أحدهم بقايا طعامه.
ويرفع ثلاثة شبان علم إندونيسيا، وهم يصرخون ويشيرون إلى السماء أثناء تجمّع للمحتجين.
وقد وثّقت المصورة الصحفية باولا برونشتاين جميع هذه المشاهد، التي تفصل بينها سنوات عديدة وآلاف الأميال.
جميع هذه الصور مدرجة في معرض ضمن فعاليات مهرجان التصوير الصحفي الدولي"Visa pour l’Image" لهذا العام في مدينة بربينيان بفرنسا، كجزء من معرض استعادي لمسيرتها المهنية التي امتدت لعقود من الزمان كشاهدة على الظلم. وقد نالت برونشتاين جائزة "Visa d'or Award" لعام 2024 للإنجاز مدى الحياة من مجلة "Figaro".
وتُعد صورها بمثابة رحلة قاتمة عبر نحو 30 عامًا من الأزمات الإنسانية على مر التاريخ، وتسلّط الضوء على من تلقبهم بـ"ضحايا الحروب الصامتين".
وقالت برونشتاين: "لم تكن أعمالي أبدًا حول الخطوط الأمامية فقط. كانت دائمًا تغوص في القصص العميقة، وتنظر حقًا إلى الناس، والحياة. ... كيف يعيش الناس على خلفية الحرب؟".
وقد ركّزت برونشتاين خلال جزء كبير من حياتها المهنية على أفغانستان، إذ زارت البلاد بشكل متكرر من عام 2001 إلى عام 2022، حيث سردت قصص الناس الذين يعيشون بين تمرد طالبان والحرب الأمريكية الدائمة.
وتأتي إحدى أكثر صورها إيلامًا من وقت مبكر من الحرب، في عام 2002. وفي الصورة، تقف طفلة صغيرة، تدعى محبوبة، بجوار جدار يملأه الثقوب من أثر طلقات الرصاص، بينما تنتظر دورها لدخول عيادة لعلاج داء الليشمانيات، وهو مرض جلدي تسببه الطفيليات الأولية.
وشرحت برونشتاين أن الأفغان الفقراء أصيبوا بهذا المرض بسبب النوم على الأرض.
وتظهر محبوبة بوجه مرقّط بالتقرّحات يغطيها مرهم أرجواني اللون، وهو علاج لداء الليشمانيات، في مشهد يوازي منظر الجدار خلفها، لتتحدث الصورة الصارخة عن نفسها، إذ ترك الفقر والعنف بصماتهما على وجه هذه الطفلة وعلى العالم الذي تعيش فيه.
وفي مقدمة معرضها، كتبت برونشتاين أنه من خلال سرد قصص مثل هذه "بدأت تفهم قوة عودتها" .
وقالت برونشتاين: "على مدار تلك السنوات، واصلت الكشف عن الكثير. كنت محظوظة لأنني تمكنت من القيام بمثل هذا التنوع الهائل من الأعمال".
وبعد سنوات من العمل في أفغانستان، كانت برونشتاين متواجدة على الأرض عندما بدأت القوات الأمريكية في الانسحاب وبدأت حركة طالبان في الاستيلاء السريع على البلاد في عام 2021. وفي مهمة لصحيفة "وول ستريت جورنال" آنذاك، أشارت إلى أن الصحيفة قامت بإجلاءها في اليوم السابق لوصول طالبان إلى العاصمة كابول.
وبعد استيلائهم على السلطة، عادت برونشتاين لسرد قصص عن الحياة تحت حكم طالبان. وقد فرضت طالبان قيودًا شديدة على وسائل الإعلام وسيطرة قمعية على النساء.
وترى برونشتاين أن النساء الأفغانيات اللواتي قضت جزءا كبيرا من حياتها المهنية في سرد قصصهن، "يتم محوهن من المجتمع بشكل أساسي".
وقالت برونشتاين: "لقد توقعنا جميعًا ما سيحدث، لكن لم يتمكن أحد من إيقاف أو منع الظلم".
وتتلقى برونشتاين رسائل من نساء أفغانيات عبر منصات التواصل الاجتماعي يطلبن منها المساعدة.
ولكنها لا تعرف متى ستعود إلى هناك مرة أخرى. وبعد أن أمضت 20 عاما في توثيق أفغانستان، لا يمكنها الآن الحصول على تأشيرة لدخول البلاد.
ويتضمن المعرض أيضا صورا من فيضانات عام 2010 التي دمرت باكستان، وأسفرت عن مقتل نحو ألفي شخص.
ورشّحت برونشتاين للمرحلة النهائية لجائزة "بوليتزر" لعام 2011 في التصوير الصحفي العاجل عن صورها للفيضانات. وأشادت لجنة التحكيم "بالتصوير الجذاب للإرادة البشرية للبقاء على قيد الحياة".
وتعد الصور مرعبة من حيث مستوى الدمار الذي خلفته الفيضانات. وتظهر إحدى الصور قرية شبه غارقة بالكامل في المياه الممتدة حتى الأفق، بينما ينتظر النجدة على قطعة ضيقة من الأرض الجافة. وتظهر صورة أخرى رجلاً متشبثًا باستماته بقارب الإنقاذ الذي كانت برونشتاين على متنه.
وتستذكر: "ذهبت إلى هناك مع فرق الإنقاذ، لأنهم كانوا يحاولون إنقاذ الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل".
وتابعت: "إنهم مزارعون فقراء، لقد ذهبوا لمحاولة إنقاذ الماشية. وبالطبع، هم أنفسهم لا يجيدون السباحة. وكان هذا الرجل متمسكًا بقاربنا، ثم سحبوا قاربًا آخر لإنقاذه لأن القارب لم يكن يتّسع لمزيد من الأشخاص".
كانت برونشتاين لا تزال تعمل في أفغانستان في عام 2022 وقت الغزو الروسي لأوكرانيا. كانت تلك أول حرب أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، وكانت تعلم أن هذه يجب أن تكون وجهتها التالية.
وقد عملت هناك قدر المستطاع على مدار العامين الماضيين، منجذبة إلى قوة الشعب الأوكراني ومدى تصميمه على الانتصار.
إحدى صورها في أوكرانيا لفتاة صغيرة تقف أمام جبل من السيارات الصدئة المدمرة. وسرعان ما تحول مشهد "مقبرة سيارات"، التي تقع بجوار مقبرة حقيقية إلى موقع للسياحة الحربية حيث يمكن لكبار الشخصيات والعائلات من كييف القريبة أن يأتوا لمشاهدة ما أحدثه غزو الروسي.
وأوضحت برونشتاين أن الفتاة كانت هناك مع عائلتها، التي عادت مؤخرًا إلى كييف بعد فرارها في بداية الحرب.
وبمشاهدة معرض برونشتاين بشكل جماعي، فإن هذه الصورة تكمل ثنائية مأساوية لصورة الفتاة الأفغانية المصابة بداء الليشمانيات. وبعد عشرين عامًا، لا تزال برونشتاين تلتقط صورًا لفتيات صغيرات يعشن مع آثار الحروب التي لم يكن لهن أي علاقة بها.