رحلة مخيفة للفرار من أوكرانيا.. كيف قطع لاعب كرة سلة أمريكي مسافة 5000 ميل ليعود إلى وطنه؟

سياحة
نشر
8 دقائق قراءة
3107 كيلومتر المسافة التي تفصله عن وطنه.. كيف تمكّن لاعب كرة سلة الهروب من أوكرانيا؟
Credit: Joe Robbins/Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قبل أسبوع، كان لاعب كرة السلة الأمريكي لوشيوس "لاكي" جونز، من ولاية ماريلاند الأمريكية، يشارك ببطولات الدوري الدولية في أوكرانيا. ولم يكن يعلم أنّه سيغادر البلاد على نحو طارئ بعد بضعة أيام، عائدًا إلى وطنه الذي يبعد نحو 5000 ميل.

وكان لاكي يلعب منذ أكثر من شهر ضمن مباريات كرة السلة للمحترفين في مدينة تيرنوبيل، التي تبعد ساعتين شرقًا، عن مدينة لفيف. غير أنّ مدربين ومسؤولين في الدوري أعلموه، في وقت باكر من يوم الخميس الماضي بوجوب مغادرة البلاد لأنّ الغزو الروسي لأوكرانيا بدأ. 

وأعرب لاكي عن شعوره بـ"الحزن الشديد" لـCNN الإثنين، عندما أخبروه بالعودة إلى وطنه مع ثلاثة زملاء له، أمريكيان وليتواني، لأن اللاعبين الآخرين كانوا من أوكرانيا. وقال: "اتصلوا بنا وقالوا: احزموا أمتعتكم حان وقت الرحيل، بدأ القصف"، مضيفًا: "كان الأمر محبطًا للغاية لأنني لا أعلم ماذا سيحدث، أو ما عليّ فعله".

وكانت زوجته ماريسّا وأطفاله الأربعة البالغين 8 و5 سنوات، وتوأم عمرهما سنتين، يبعدون عنه مسافة تقارب 3107 كيلومتر.

وأوضحت ماريسّا لـCNN الثلاثاء، أنها تلقت اتصالًا من لاكي قرابة الساعة 2 بعد منتصف الليل في التوقيت المحلي، إذ قال لها: "سأخرج من هنا، إنني أغادر لكنّني لا أعرف ماذا سيحصل".

وبقي الثنائي على تواصل ضئيل في الأيام التالية، بسبب انقطاع إشارة هاتف لاكي بين الحين والآخر. وأشارت ماريسّا إلى أنّه كان يتواصل معها عبر تطبيق "فايس تايم"، عندما يتمكّن من ذلك.

وأضافت: "كان مذعورًا وخائفًا"، لافتةً إلى أنّه "قال أمورًا مثل: بلغي أطفالي أنّي أحبهم، أو أرسلي لي صورًا لأولادي، أريد رؤية أطفالي، وأريد أن يعلموا أني أحبهم".

ومنذ بداية الحرب، غادرت مجموعات كبيرة من الأوكرانيين البلاد. ونحو 500 الف هربوا إلى دول في أوروبا الشرقية، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR).

وفي ذلك الوقت، قال لاكي إنه لم يسمع أي انفجارات أو يعلم عن اضطرابات.

لكن المدينة التي وصفها بالهادئة نوعًا ما في العادة، غصّت بالناس وكان الذعر مخيّمًا على الأجواء. وقال: "هذا اليوم كان مختلفًا"، مضيفًا: "غصًت الطرقات بالكثير من الناس، علمت أن أمرًا ما يحدث".

وتابع: "كان يتوجه الناس إلى محال البقالة لشراء الطعام، أو نحو الحدود، أو يقصدون مراكز الرعاية للحصول على الأدوية، أو يسحبون المال من المصارف".

وفي هذا الصباح، حزم لاعبوا كرة السلة أمتعتهم بسرعة، وبعد بضع ساعات أقلّتهم سيارة ليبدأوا رحلة متعبة، وصولًا إلى وطنهم.

وأوضح لاكي أنهم لم يحصلوا على توجيهات، ولم يعرفوا إلى أي دولة سيسافرون.

"كان الأمر منهكًا للغاية لجسمي وعقلي"

والخطوة الأولى التي قاموا بها هي التوجه غربًا إلى الدولة المجاورة، بولندا، لأنها كانت الخيار الأسلم في ذلك الوقت. لكن عندما قال لهم المسؤولون إنّ المعابر مقفلة، عادوا أدراجهم إلى أوكرانيا.

أما الخيار الثاني فكان بالتوجه إلى رومانيا جنوبًا. مع اقترابهم من الحدود، كان عليهم الترجّل من السيارة والمشي لبضعة كيلومترات، حيث بالكاد تمكّنوا من النوم، وكانوا يستخدمون المرحاض الخارجي عند الحاجة.

وقال لاكي إنّ إحدى محطات البنزين التي وصلوا إليها عند الساعة 1:30 صباحًا كانت بمثابة المنقذ لهم، حيث تمكّنوا من تناول الطعام بسرعة.

وكان الأمر منهكًا نفسيًا وجسديًا أيضًا، إذ كانت الحرارة منخفضة جدًا فضلًا عن حملهم لأمتعتهم طوال الوقت.

وأوضح لاكي: "كان الأمر منهكًا للغاية لجسمي وعقلي"، متابعًا: "كنت على وشك الانهيار والخلود إلى النوم، لكني لم أتمكن من ذلك. ثمة أمور كثيرة كانت تدور في رأسي، وعلي الخروج من هنا سالمًا".

وتفاقم الوضع عندما واجهوا مشاكل على الحدود، إذ أوضح لاكي أنّ ضباط دوريّات الحدود رفضوا إدخالهم إلى رومانيا، بالتزامن مع تدفق حشود هائلة من الناس للعبور إلى بر الأمان، قائلًا: "كان الأمر مرعبًا لأننا لم نعلم ماذا سيحدث لنا".

ومن جهتها، كانت ماريسّا تحاول مساعدة لاكي قدر المستطاع. وقالت إنها تواصلت مع السفارة الرومانية لمعرفة إن كان في وسعهم إفادتها بأي معلومات عن زوجها.

وأوضحت أنّها أعطتهم "المعلومات اللازمة التي تفيد بأنه وزملائه على الحدود".

وفي نهاية المطاف، سُمح للاعبين بالعبور واستقلوا القطار باتجاه العاصمة بوخارست.

وخلال مسار الترحال هذا، ألقت عملية الإخلاء الطارئة بثقلها على لاعبي كرة السلة، إذ قال لاكي: "كل منا كان مذعورًا"، لافتًا إلى أنّ "مشاعر خوف قوية سيطرت علينا".

وبعد رحلة في القطار دامت 6 ساعات وصولًا إلى العاصمة، تمكنت المجموعة من مغادرة رومانيا على متن طائرة متجهة إلى أمستردام في هولندا، صباح الجمعة، حيث تمكنوا من حجز فندق، ما سمح لهم بالراحة، والاستحمام، وتغيير ملابسهم. بعدها، استقلوا الطائرة إلى دبلن في أيرلندا، ومنها على متن رحلة أخيرة باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية.

العائلة في حالة انتظار.. حتى عودة لاكي

وخلال ترحال لاكي من بلد لآخر، كانت ماريسّا تحاول الحفاظ على هدوئها من أجله ومن أجل أطفالها.

وكان طفلهما الأكبر على دراية بالغزو الروسي لأوكرانيا، بحسب ماريسّا، لكنّها أخفت كل شيء عنهم حتى تأكدت أن لاكي بات في أمان.

3107 كيلومتر المسافة التي تفصله عن وطنه.. كيف تمكّن لاعب كرة سلة الهروب من أوكرانيا؟
لاكي جونز على أرض الوطن محاطًا بزوجته ماريسا وأطفاله الأربعةCredit: Marissa Jones

وقالت: "كان علي المحافظة على الهدوء وسط كل ما يجري"، لافتة إلى أنه "ليس في وسعها إثارة ذعره أو ذعر الأطفال".

وعندما عبر لاكي الحدود الرومانية، أخبرَت أطفالها أنّ والدهم صار بأمان، وتمكنوا من التحدث إليه عبر "فايس تايم".

وبعدما حطّت الطائرة أخيرًا في مطار دالاس الدولي السبت، شعر الجميع بالراحة أنّ لاكي بات على أرض الولايات المتحدة مجددًا.

وقال لاكي: "كان معلومًا أنني كنت في طريقي إلى وطني، وأن زوجتي ستكون سعيدة، وأطفالي، ووالدتي ووالدي".

والتقى عائلته خارج المطار، إذ أوضحت ماريسّا: "ما أن خرج ركض باتجاه السيارة وكان يقفز من الفرح".

وتبادل الجميع العناق وعبارات "الحب".

ويتردّد لاكي على ملاعب كرة السلة منذ الرابعة من عمره، وتخرج من جامعة روبرت موريس عام 2015. مهنيًا، ولعب لصالح فرق عدّة، ضمنًا فنلندا، واليونان، وبلجيكا.

لكنّه حاليًا، سيدرب الأطفال ويوجههم عوضًا عن صقل مهاراته الخاصة. ما يعني أن مساره المهني كلاعب كرة سلة سيكون معلقًا حاليًا، حتى يخرج من الحالة التي اختبرها.

وقال: "لن أركز على كرة السلة حاليًا ولا على نفسي، لأني اختبرت تجربة حقيقية صادمة".

ورغم وصول لاكي سالمًا إلى منزله وعائلته، إلا أنه لا يزال يفكر بأصدقائه في أوكرانيا.

وأوضح أنه "واقع محزن"، مشيرًا إلى أنه يأمل "فقط أن يكون أصدقاءه هناك وعائلاتهم، في وضع أفضل مما كان عليه عندما غادر البلاد".