دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- في قلب شمال شرق أذربيجان، تتشبث مجموعة من المساكن الحجريّة التي يعود تاريخها إلى قرون عدة على قمة تل مُحاطة ببعض أعلى الجبال في البلاد.
وتُعتبر قرية خيناليق مغمورة بالتاريخ، والأساطير، وتسكنها مجموعة عِرقية صغيرة تتحدث لغتها الخاصة، وتعتقد أن أصولها تعود إلى النبي نوح.
وتُعد المنطقة أيضًا واحدة من الوجهات الجذّابة للمشي لمسافات طويلة بأذربيجان، حيث تتسلّل العديد من المسارات نحو جبال القوقاز الكبرى.
ولهذا السبب، قامت CNN الخريف الماضي بتجربة مسار كلاسيكي يبلغ طوله 25 كيلومترًا، ويربط بين 3 من أعلى القرى في البلاد، وتقع جميعها على ارتفاع يزيد عن ألفي متر فوق مستوى سطح البحر.
وحتّى فترة قريبة نسبيًا، لم يكن الوصول إلى هذه القرى المعزولة متاحًا إلا لأقوى سيارات الدفع الرباعي السوفيتية، ما ساعدها في الحفاظ على نمط حياتها شبه البدوية.
وبفضل الطرق الجديدة، والتكنولوجيا، والتدفّق المحتمل للسياح، فإن التغيير يلوح في الأفق.
ولكن حاليًا، لا تزال زيارة مناطق جبلية نائية كهذه بأذربيجان أشبه بالسفر عبر الزمن.
من خيناليق إلى قريز
وتبدأ الرحلة على مسار مهجور لسيارات الـ"جيب" على طول أحد الوديان الواسعة التي يقطعها نهر "Gudiyalchay"، ويتمتّع بمناظر خلابة لجبال تتقاطع مع المدرجات الزراعية المهجورة، وقمة جبل "Gizilgaya" التي ترتفع إلى أكثر من 3،720 مترًا.
وبعد فترة وجيزة من عبور مستوطنة "Galakhudat" الريفيّة، يصل المسار إلى حافة أحد الوديان الشاسعة.
وبعد عبور الوادي، والمشي لبضع ساعات عبر المناظر الخلابة، ستصل إلى قريز، وهي قرية جبلية ريفيّة أخرى يسكنها مجتمع فريد من الناحية العِرقية، واللغوية.
وتضم قريز بقايا قلعة من القرون الوسطى، ومسجدًا من القرن الثامن، وعدد لا يُحصى من شواهد القبور القديمة.
دليل المنتزّه
ونظرًا لكونها وجهة جبليّة بنسبة تزيد عن 50%، يُعد المشي لمسافات طويلة (وهو نشاط جديد نسبيًا في البلاد) أفضل طريقة للوصول إلى العديد من القرى الأكثر غرابة بأذربيجان، وغالبية معالمها.
ولكن أصبح هذا النشاط يتطوّر بسرعة كبيرة مع بدء البلاد في الاستفادة من إمكانياتها في مجال السياحة الطبيعية.
ومع زيادة الطلب في الأعوام الأخيرة، زادت أعداد شركات السياحة الجبلية المحلية، وعروضها.
وقال مارك إليوت، والذي قام بتأليف العديد من أدلّة السفر إلى أذربيجان، لـCNN: "عندما يتعلق الأمر بالمشي لمسافات طويلة، فإن أذربيجان وجهة غير معروفة، ولكن مليئة بالإمكانيات.. ومع ذلك، ستحتاج إلى أن تكون واثقًا من نفسك إلى حدٍ ما لأن المتنزهين يبقون بمثابة مشهد نادر. ورغم أن الإقامة مع العائلات ممكنة بشكلٍ كبير في القرى النائية، إلا أنه لا يمكنك الاعتماد على تحدّث القرويين المحليين للغة الإنجليزية".
مسار ما وراء القوقاز
وعزّز إدراج أذربيجان في "مسار ما وراء القوقاز" (Transcaucasian Trail) المشهد المحلي للمشي لمسافات طويلة.
والمسار عبارة عن مشروع بدأ في عام 2015 لبناء مسارين للمشي لمسافات طويلة عبر جنوب القوقاز، وذلك بهدف عرض المجتمعات والمناظر الطبيعية المتنوعة للمسافرين الفضوليين.
وفي نهاية المطاف، سيمتد المسار الذي يعبر أذربيجان عبر جبال القوقاز الكبرى بأكملها، ومن البحر الأسود، إلى بحر قزوين.
المرحلة الأخيرة للرحلة
وفي منزل عائلة بقرية قريز، يمكنك شحن نفسك بالطاقة من خلال تناول طبق "بيلاف" دسم، تليه كمية كبيرة من الشاي الأسود المنعش، ومربّى الكرز الأبيض الحلو.
وتكون المرحلة الأخيرة للمسار عبر ممشى استخدمه شعب قريز منذ فترة طويلة لزيارة أقاربهم العِرقيين في قرية غريزدهني (Grizdehne) الواقعة عند سفح الجبل.
وفي الأمام، تنتشر شبكة من مسارات الرعاة عبر المنحدر مثل شبكة عنكبوت عملاقة. ومن جهة اليمين، يتحرك نهر"Gudiyalchay" عبر أحد الوديان الشاسعة، وتعلوه الغيوم.
وفجأةً، يتغيّر المشهد بشكلٍ كبير.
وعند طرف سلسلة من التلال العشبية، ستنزل باتجاه أحد الوديان الضيقة وشديدة الانحدار، حيث ينحدر المسار لمئات الأمتار باتجاه غابة كثيفة بالأسفل.
ولا تزال هناك عقبة أخيرة يجب عبورها قبل أن يُصبح الممر مسطحًا أخيرًا عند الوصول إلى خط الغابة، وهو عبارة عن جزء زلق من منحدر صخري.
ومن هناك، ستتجوّل لـ45 دقيقة عبر الغابات الهادئة، وهي طريقة مناسبة لإنهاء هذا اللقاء القصير بالتنوع الثقافي والطبيعي الرائع لجبال القوقاز.
