دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- من خلال تسلّق أرضيات مهجورة وغير مكتملة، والمشي على حبل مشدود عبر حواف الشرفات، وبحقائب ظهر تحتوي على علب بخاخات الطلاء، قامت مجموعة من فناني الغرافيتي في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية بتحويل حرفتهم إلى ما هو أبعد من الجماليات الحضرية لمناصرة قضايا المجتمع.
وقد اختاروا مجمّع "Oceanwide Plaza" في وسط لوس أنجلوس، ليكون لوحة عملاقة لفنهم.
ويحتل المجمّع مساحة مربع كامل من المدينة، وقد تم تصوره على أنه مشروع بناء واسع متعدد الاستخدامات، يقدّم لسكان المدينة أكثر من 500 وحدة سكنية فخمة، وفندق من فئة خمس نجوم، ومساحات للبيع بالتجزئة، ومطاعم، بالإضافة إلى حديقة خاصة.
وتأجلت أعمال البناء في المشروع الذي تبلغ قيمته مليار دولار، وبدأ في عام 2015، بعد نفاد التمويل لشركة المقاولات المدعومة من الصين "Oceanwide Holdings" في عام 2019، إذ بقي المشروع غير مكتملا منذ ذلك الحين.
وسرعان ما انتشرت أخبار عن مكانة المجمّع كموقع لافت للنظر داخل مجتمع فناني الغرافيتي خلال الأشهر الأخيرة.
وكان من المعروف أن الإجراءات الأمنية في الموقع متساهلة مقارنة بغيرها من المجمعات.
وقال فنان الغرافيتي ENDEM لـ CNN، متحدثًا عن مجموعة من فناني الغرافيتي تُدعى NCT: "لقد كانت بمثابة هدية من السماء... لوحة عملاقة في وسط المدينة".
تاريخيًا، غالبًا ما استخدم أسلوب الكتابة على الجدران كفن احتجاجي. ورغم أن هذه الممارسة تعود إلى آلاف السنين، إلا أنه يُنظر إليها بشكل شائع في سياق معاصر كوسيلة إبداعية لتحدي الأعراف المجتمعية وعدم المساواة.
ومع ذلك، لم يتوقع أي من ENDEM أو الفنانين المشاركين الآخرين معه مدى الشهرة التي ستحققها أعمالهم الفنية على أبراج مجمّع Oceanside.
ومن خلال مشاركة أعماله الفنية على منصة "انستغرام" في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، حقق مقطع فيديو من ENDEM عشرات الآلاف من المشاهدات سريعًا، وهو عبارة عن صور نابضة بالحياة لأحرف لامعة منتشرة على السطح الخارجي للمبنى.
وسرعان ما انتشرت اللقطات والصور المرئية الأخرى التي تمت مشاركتها على منصات التواصل الاجتماعي، وفتحت بوابة الفرص على مصراعيها.
وأصبح مجمع Oceanside علامة على المصداقية في عالم الكتابة على الجدران. وبحلول منتصف شهر فبراير/ شباط، تضاعف عدد العلامات ورسوم الغرافيتي على الجدران الأخرى بين عشية وضحاها.
وهكذا تحوّل مجمع Oceanwide جزئيًا إلى تركيب فني، وأصبح بمثابة فرصة لفناني الغرافيتي لترك رسالة إلى المدينة، ونداء لصانعي السياسات الذين يتركون المباني غير مكتملة ومهجورة.
ومن جانبه، قال روجر غاستمان، مالك ومؤسس منظمة Beyond the Streets للفنون ومقرها لوس أنجلوس، لـCNN: "الكتابة على الجدران تظهر لك آلام المدينة".
تشتهر Beyond the Streets بمعارضها واسعة النطاق، وبرامجها التعليمية الغامرة، وفعالياتها المنبثقة، وشراكاتها، وتعمل على التثقيف والاحتفال بالأبعاد المتنوعة للكتابة على الجدران كوسيلة فنية.
وتتمثل مهمة الكتابة على الجدران في تحدي، وتثقيف، وإعادة تعريف التصور العام.
ورأى إيرل أوفاري هاتشينسون، رئيس السياسة الحضرية في لوس أنجلوس، وهو منتدى غير حزبي للسياسة العامة للمشاركة المدنية والتعليم، أن الأبراج المهجورة تعمل على تضخيم القضايا الاجتماعية للمجتمع الذي تقع فيه، حيث تربط الهياكل المحملة بالكتابة على الجدران بالآفة الحضرية المحيطة بها في منطقة Skid Row.
وتتكونّ Skid Row من 50 مبنى في وسط مدينة لوس أنجلوس، حيث يعيش ما بين 8 آلاف و11 ألف شخص بلا مأوى في ظروف صعبة، وبحالة مزرية.
وقال هاتشينسون لـ CNN: "لدينا عشرات الآلاف من النازحين بسبب التنمية الحضرية المفرطة. ونتيجة لذلك، أصبحوا في الشوارع"، مشيراً إلى أن عدد المشردين في لوس أنجلوس مستمر في النمو.
ومع ذلك، فإن هاتشينسون ليس من محبي الكتابة على الجدران أيضًا. وبالنسبة له وللعديد من سكان لوس أنجلوس الآخرين الذين قالوا إنهم لا يوافقون على هذا "التخريب"، فإن الساحة تُعتبر مشهدًا مؤلمًا للعين.
تقوم فرق التنظيف العاملة في الأحياء المحيطة بشركة Oceanwide بإزالة حوالي 180 مترًا مربعًا من الكتابة على الجدران في المتوسط أسبوعيًا، مع تزايد هذا الرقم خلال الأشهر الأخيرة.
ولكن بالنسبة لما ذكره غاستمان، تُعتبر الكتابة على الجدران شكلاً قويًا من أشكال التعبير، ودعوة إلى العمل - خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعانون من صراعات داخل الحياة المنزلية، أو حياة العصابات، أو الاضطرابات الاجتماعية.
وقال غاستمان إن ثقافة الكتابة على الجدران يمكن أن تقدّم نظام دعم غير متوقع لأولئك الذين تخلت عنهم المدينة، وتُصبح بمثابة منصة لإعلاء أصواتهم.
وفي هذا الصدد، يؤمن فنان الغرافيتي ENDEM بأن جمال مجمع Oceanwide ليس ملموسًا، بل يكمن في ولادة جيل جديد من فناني الغرافيتي.
وأضاف: "يمكنهم محو الكتابة على الجدران، ولكنهم لن يتمكنوا أبدًا من محو تأثيرها على مدينة لوس أنجلوس والعالم".