دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لم يكن هاري لي يتخيّل أبدًا أن فعالية عبر الإنترنت أنشأها للاحتفال بليلة رأس السنة من باب المزاح، ستُصبح حديث المدينة.
فعوض الاحتفالات التقليدية التي تشمل الألعاب النارية، أو حضور الحفلات الموسيقية، أو السهرات، انضم البعض في تايوان إلى الطالب الجامعي البالغ من العمر 22 عامًا للاحتفال بقدوم عام 2025، بطريقة غير معتادة، أي من طريق البكاء.
وبدأت الفكرة في عام 2023، كمزحة على منصة "فيسبوك"، حيث دعا لي الناس ليلة رأس السنة، للتوجه بمنتزه غابة "Daan" وسط مدينة تايبيه، للبكاء لمدة نصف ساعة، كإشارة إلى مشهد من الفيلم التايواني الشهير "Vive L’Amour".
يصور الفيلم ثلاثة شبان يعيشون في المدينة ويختبرون الملل والوحدة وخيبة الأمل، وهي مشاعر اعتبرها الكثيرون سمة مميزة لحياة المدينة في تايبيه خلال تسعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت فيها المدينة تحديثًا سريعًا وتغيرات كبيرة.
وفي المشهد الذي ألهم لي لابتكار الفعالية، تجلس البطلة على مقعد مسرح خارجي في منتزه غابة "Daan" وتنفجر بالبكاء لمدة سبع دقائق متواصلة، قبل أن تشعل سيجارة وتنظر إلى الفراغ.
لكن ما بدأ كمزحة سرعان ما اكتسب زخمًا، حيث أبدى نحو 16 ألف مستخدم اهتمامهم بحضور فعالية ليلة رأس السنة التي نظّمها لي. وحضر المئات إلى المنتزه للبكاء والضحك والغناء والرقص والتنفيس عن مشاعرهم، ما حوّل التجمّع العفوي إلى عرض مميز وملون لاستقبال عام 2024.
وقال لي لـCNN: "لم أكن أعتقد أن الناس سيحضرون فعلاً. لم أكن أتخيل أن الأمر سيصبح ظاهرة واسعة الانتشار".
وينظّم لي الفعالية مجددًا هذا العام، حيث أبدى أكثر من 33 ألف شخص اهتمامهم بالانضمام. وانضم معهد تايوان للأفلام والمرئيات إلى المبادرة، حيث يقدم عرضًا خارجيًا لفيلم "Vive L’Amour" في المنتزه، مع مشاركة طاقم العمل الأصلي لتوديع عام 2024، الذي يصادف الذكرى الثلاثين لعرض الفيلم لأول مرة.
"استخدمت علبة مناديل كاملة"
تحدثت CNN مع أشخاص عدة حضروا فعالية الانتقال من عام 2023 إلى 2024. ووصفوا الأجواء العامة بأنها خالية من الهموم وعفوية.
تشارك الناس الطعام والشراب. وقام البعض بتشغيل الموسيقى والرقص على إيقاع الطبول، بينما التقط آخرون صور سيلفي بوجوه تعبيرية تبكي. وجلس بعضهم على المقاعد، منغمسين في اللحظة. وأُتيح لمن احتاجوا للحظة من التنفيس العاطفي المساحة اللازمة لذلك.
كتبت أستر تشانغ التي حضرت الفعالية على "فيسبوك":"لقد بكيت حقًا! لقد استخدمت علبة مناديل كاملة وأنا أبكي بينما أفرغت كل المواقف السيئة التي واجهتها هذا العام من صدري".
أما عن تشن تشو-يوان، بائع نبيذ يبلغ من العمر 27 عامًا، فقد ذرف القليل من الدموع وهو يفكر في صديق له توفي بشكل مفاجئ.
وقال تشن لـCNN : "في ذلك الوقت والمكان، إذا بكيت، سيأتي الناس حقًا لمواساتك وليس لتوجيه أصابع الاتهام إليك".
ويقول لي إن رؤية الناس ينفتحون على بعضهم البعض في تلك الليلة تركت انطباعًا عظيمًا لديه.
وأضاف: "كان الناس يشربون ويتحدثون، وبعضهم شارك قصصه. الجميع قضوا وقتًا رائعًا".
ولهذا السبب سيعود تشن مجددًا هذا العام.
وقال: "شعرت باتصال قوي في ذلك الوقت. غرباء يجتمعون ويرتبطون ببعضهم خلال تلك الساعات. كان ذلك نادرًا ومؤثرًا للغاية".
لا بأس ألا تكون بخير
وفيما جعلت العفوية والغرابة والإبداع فعالية "Cryathon" شائعة، كانت الرسالة الكامنة التي تحمل طابعًا علاجيًا هي ما لمس قلوب الحاضرين حقًا، وهي أنه "لا بأس ألا تكون بخير"، حتى في يوم احتفالي مثل ليلة رأس السنة.
وأوضح كانغ تينغ-يو، وهو أستاذ مساعد متخصص في دراسات النوع الاجتماعي والإعلام في جامعة تايوان الوطنية تشينغتشي، لـ CNN، أن هذا الحدث وجد صدى لدى الكثيرين، لأنه يؤكد الفكرة القائلة بأنه "لا توجد طريقة واحدة موحدة للعيش والتعبير عن المشاعر".
وخلال السنوات الأخيرة، حظيت قضايا الصحة النفسية باهتمام متزايد على الصعيد العالمي. وفي تايوان، تشير الدراسات إلى أنه بين عامي 2010 و2020، أظهر شخص واحد من كل أربعة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 30 و45 عامًا علامات الاكتئاب أو القلق، وهي أعلى نسبة انتشار بين الفئات العمرية الأخرى.
وبالنسبة للبروفيسور تشانغ شو-سن، باحث في مجال الوقاية من الانتحار والصحة النفسية في جامعة تايوان الوطنية، فإن هذا الحدث يعكس تركيز تايوان المتزايد على الصحة النفسية، وهو تطور مرحّب به.
وتابع تشانغ في حديثه مع CNN: "بالإضافة إلى زيادة الوعي حول أهمية الصحة النفسية، نحتاج أيضًا إلى طرق ملموسة تتيح للناس طلب المساعدة ومساعدة الآخرين".
أما بالنسبة إلى لي، فهو سعيد بأن ما بدأ كتدوينة ممتعة على منصات التواصل الاجتماعي سمح للناس بالتنفيس عن ضغوطاتهم، وكان له تأثير عرضي في مساعدة الآخرين.
وأضاف: "بالنسبة لأولئك الذين جاءوا إلى المنتزه ليبكوا فعليًا، آمل ألا يضطروا لفعل ذلك مجددا العام المقبل، وأن يستمتعوا بليلة رأس سنة جديدة سعيدة".