دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يتساءل العديد من المسافرين عن المقعد الأكثر أمانًا على متن الطائرة في حال حصول أي حوادث. وقد يتبادر إلى ذهن الركاب الدائمين فكرة واحدة، ومفادها أنّ الجلوس في مؤخرة الطائرة أكثر أمانًا من الجلوس في المقدمة.
ويبدو أن الحادثتين اللتين تعرضت لهما كل من رحلة الخطوط الجوية الأذربيجانية رقم "8243" وخطوط "جيجو إير" رقم "2216" تؤكّدان ذلك.
في عام 2015، كتب مراسلو مجلة "تايم" أنّهم قاموا بدراسة سجلات جميع حوادث تحطم الطائرات في الولايات المتحدة، بين العامين 1985 و2000.
ووجدوا في تحليلٍ تلوي أنّ المقاعد في الثلث الخلفي من الطائرة تمتعت بمعدل وفيات بلغ 32% بشكل عام، مقارنة بـ 38% في الثلث الأمامي، و 39% في الثلث الأوسط.
وكانت المقاعد الوسطى في الثلث الخلفي من المقصورة أفضل، إذ بلغ معدل الوفيات فيها 28%، بينما كانت أسوأ المقاعد هي تلك الموجودة عند الممر في الثلث الأوسط من الطائرة، حيث بلغ معدل الوفيات 44%.
ولكن هل هذه الأرقام لا تزال صحيحة في عام 2024؟
هذه مجرد خرافة، بحسب خبراء سلامة الطيران.
وقال رئيس مؤسسة سلامة الطيران (Flight Safety Foundation)، حسن شهيدي: "لا توجد أي بيانات تُظهر ارتباطًا بين الجلوس والقدرة في البقاء على قيد الحياة. يختلف كل حادث عن الآخر".
ويُحذِّر أستاذ هندسة السلامة من الحرائق في جامعة "غرينتش" بلندن، إد جالي، والذي أجرى دراسات بارزة حول عمليات الإخلاء في حالات تحطم الطائرات، من أنّه "لا يوجد مقعد سحري أكثر أمانًا".
وأضاف جالي، "يعتمد الأمر على طبيعة الحادث الذي تتعرض له. في بعض الأحيان يكون (الجلوس) في المقدمة هو الأفضل، وأحيانًا يكون الجلوس في الخلف (هو الأفضل)".
ورأى جالي وآخرون أنّ هناك فرقًا بين المقعد الذي يمنح أفضل فرصة للنجاة من الاصطدام الأولي، والمقعد الذي يسمح لك بمغادرة الطائرة بسرعة.
يمكن النجاة من أغلب حوادث تحطم الطائرات
أشار جالي إلى أنّه "يمكن النجاة من الجزء الأكبر من حوادث الطائرات، حيث يبقى غالبية الأشخاص الذين يتعرضون للحوادث على قيد الحياة".
منذ عام 1988، وَجَبَ بناء الطائرات، والمقاعد داخلها، لتحمل تأثير قوة تسارع، أو "قوة جي"، تصل إلى 16 جي (ضعف قوة الجاذبية بـ16 مرة).
وهذا يعني أنه في غالبية الحوادث، "من الممكن النجاة من صدمة تأثير الاصطدام"، بحسب ما أكّده جالي.
وعلى سبيل المثال، يصنف جالي حادثة "جيجو إير" الأولية على أنّها قابلة للنجاة، شارحًا: "لو لم تصطدم (الطائرة) بالحاجز المقوى بالخرسانة في نهاية المدرَّج، لكان من الممكن تمامًا أن ينجو غالبية الأشخاص، إن لم يكن الجميع".
ووجد أنّ ما يصنع الفارق بين الحياة والموت في غالبية الحوادث، يتمثل بسرعة إخلاء الركاب.
"كل ثانية تهم"
أجرى جالي، وهو خبير في مجال الإخلاء، بحثًا لهيئة الطيران المدني في المملكة المتحدة (CAA) للنظر في أكثر المقاعد التي تزداد فيها فرص النجاة على متن الطائرة.
ونظر بحثه الرائد، الذي أجراه على مدى عدة سنوات في بداية العقد الأول من القرن الـ21، في كيفية تصرف الركاب وأفراد الطاقم أثناء الإخلاء بعد حادث، بدلاً من النظر إلى الحوادث نفسها.
ومن خلال تجميع البيانات من 1،917 راكبًا و155 فردًا من أفراد طاقم كانوا جزءًا من 105 حادث بين عامي 1977 و1999، أنشأ فريقه قاعدة بيانات عن السلوك البشري خلال حوادث تحطم الطائرات.
ويتمتع الجالسون في مقاعد الممر بفرصة أكبر للإخلاء بأمان من أولئك الجالسين في المنتصف، وبجوار النافذة، إذ يجب عليهم اجتياز عدد أقل من الأشخاص.
كما أكّد جالي أنّ "الأمر الأساسي الذي يجب فهمه هو أنه خلال حادث جوي، كل ثانية تهم، ويمكن لكل ثانية أن تُحدث فرقًا بين الحياة والموت"، مشيرًا إلى أنّ مدى القرب من صف الخروج أكثر أهمية من مساحة الطائرة.
وذكر جالي أنّه لا يزال من الأفضل اختيار صف خروج طارئ واحد للجلوس بالقرب منه بدلاً من توزيع فرصك والجلوس بين صفين.
لكن ماذا يحدث إذا لم يكن صف الخروج الطارئ، أو المقاعد الموجودة على نطاق خمس صفوف، متاحًا على متن الرحلة التي يفضِّلها؟
أجاب جالي: "سأبحث عن رحلة أخرى".
"الفرص تُفضِّل الذهن المستعد"
إذًا، بعد حجز رحلتك، واختيار مقعدًا يقع ضمن خمسة صفوف من صف مخرج الطوارئ، هل يعني أنّه يمكنك وأخيرًا الجلوس والاسترخاء؟
الأمر ليس كذلك وفقًا لجالي، الذي يقول إنّ هناك أشياء يمكننا القيام بها على متن الطائرة لمنحك أفضل فرصة للبقاء على قيد الحياة خلال حصول حادث.
ورأى جالي أنّه من الضروري، الاستماع إلى إحاطة ما قبل الرحلة من طاقم الطائرة، وفهم كيفية عمل حزام الأمان حقًا، شارحًا: "صدق أو لا تصدق، ولكن من ضمن الأشياء التي يعاني منها الناس (خلال حادث تحطم) هو فك حزام الأمان".
كما يوصي بدراسة بطاقات الإخلاء الموجودة في جيب مقعدك بالكامل، وإذا كنت جالسًا عند مخرج الطوارئ، فانظر بعناية إلى كيفية فتحه.
وإذا كنت ضمن عائلة أو تسافر مع أشخاص آخرين، فاجلسوا معًا، حتى لو كان عليك دفع مبلغ إضافي.
ومن شأن ابتعاد أفراد العائلة عن بعضهم البعض إبطاء سرعة اتخاذهم للخطوات الضرورية في حالات الطوارئ.
وأينما كنت جالسًا، احرص على عد الصفوف التي تقف بينك وبين مخرج الطوارئ، سواءً أمامك أو خلفك.
وبهذه الطريقة، إذا كانت المقصورة مليئة بالدخان، وهو" من مسببات الوفاة الرئيسية" في حوادث الطيران الحديثة، فلا يزال بإمكانك العثور على أقرب مخرج، وأن يكون لديك مخرج احتياطي إذا كان أقرب مخرج إليك مسدودًا.
اترك كل شيء خلفك
الخطر الرئيسي بعد الاصطدام الأولي هو اندلاع حريق ودخول الدخان إلى المقصورة.
وبينما يمكن للمواد المركبة الحديثة التي تُصنع منها هياكل الطائرات اليوم أن تبطئ انتشار النيران بشكلٍ أفضل من الألومنيوم، إلا أنّها لا تستطيع منعها إلى الأبد، ما يعني أن الإخلاء هو مفتاح البقاء على قيد الحياة.