المناطيد الصينية جزء من استراتيجية بكين للتغلب على أمريكا في ساحة "الفضاء القريب"

العالم
نشر
8 دقائق قراءة

(CNN)— من وجهة نظر الصين، تقع ساحة معركة القوى العظمى الأحدث، على ارتفاع يتراوح بين 12 و60 ميلاً فوق سطح الأرض في الغلاف الجوي يطلق عليها اسم "الفضاء القريب".

وتقع تلك المنطقة فوق ممرات الطيران لمعظم الطائرات التجارية والعسكرية وأسفل منطقة الأقمار الصناعية، كما أن "الفضاء القريب" هي منطقة بينية يمكن لرحلات الفضاء أن تمر من خلالها، ولكنها أيضا مجال تعبر فيه الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والصواريخ الباليستية.

وأولت الصين اهتماما وثيقا للتطورات في الولايات المتحدة ودول أخرى بتلك المنطقة، والتي اعتبرها الخبراء العسكريون الصينيون "جبهة جديدة للعسكرة" و "مجالا مهما للمنافسة بين القوى العسكرية في العالم".

فبالإضافة إلى تطوير آلات عالية التقنية مثل الطائرات بدون طيار التي تعمل بالطاقة الشمسية والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، تعمل الصين أيضا على إحياء تقنية يعود عمرها لعقود للاستفادة من هذه المنطقة من الغلاف الجوي، وهي عبارة مركبات أخف من الهواء، تشمل مناطيد في منطقة الستراتوسفير ومناطيد تطير على ارتفاع كبير، مماثلة للمنطاد الذي تم رصده فوق الولايات المتحدة وأسقط، السبت الماضي.

وتصر الصين على أن المنطاد عبارة عن منطاد أبحاث مدني، رغم مزاعم المسؤولين الأمريكيين بأنه كان جزءًا من برنامج مراقبة صيني واسع النطاق.

ومع بدء تحليل الأجزاء المستردة من المنطاد الذي تم إسقاطه، قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، الخميس إن المنطاد "كان قادرًا على إجراء عمليات جمع معلومات استخباراتية" وكان جزءًا من أسطول طار فوق "أكثر من 40 دولة عبر القارات الخمس"، وهو ادعاء رفضته الصين بشكل قاطع.

وبينما لا تزال هناك تساؤلات حول هذا الحادث، يكشف فحص تقارير وسائل الإعلام الحكومية الصينية والأوراق العلمية عن اهتمام بكين المتزايد بهذه المركبات الأخف وزنا من الهواء، والتي روج الخبراء العسكريون الصينيون لاستخدامها في مجموعة واسعة من الأغراض، تشمل الاتصالات، الاستطلاع ومراقبة الإجراءات الإليكترونية المضادة.

طموحات الفضاء القريب

يعود البحث الصيني حول المناطيد عالية الارتفاع إلى أواخر السبعينيات، ولكن خلال العقد الماضي، كان هناك تركيز متجدد على استخدام التكنولوجيا القديمة المزودة بأجهزة جديدة حيث قامت القوى الكبرى، في جميع أنحاء العالم بتعزيز قدراتها في السماء.

وبحسب مقال نشر عام 2018 في صحيفة PLA Daily اليومية الرسمية الناطقة باسم جيش التحرير الشعبي الصيني (PLA): فإنه "مع التطور السريع للتكنولوجيا الحديثة، لم تعد مساحة مواجهة المعلومات مقتصرة على الأرض والبحر والارتفاعات المنخفضة. وأصبح الفضاء القريب أيضًا ساحة معركة جديدة في الحرب الحديثة وجزءًا مهمًا من نظام الأمن القومي".

وذكرت المقالة أن مجموعة من "مركبات الطيران في الفضاء القريب" ستلعب دورًا حيويًا في العمليات القتالية المشتركة المستقبلية التي تدمج الفضاء الخارجي والغلاف الجوي للأرض.

كما حث الزعيم الصيني شي جين بينغ القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي على "تسريع التكامل الجوي والفضائي وتعزيز قدراتها الهجومية والدفاعية" في وقت مبكر من عام 2014، وقد حدد الخبراء العسكريون "الفضاء القريب" كحلقة وصل حاسمة في هذا التكامل.

وكشفت عمليات البحث في CNKI، وهي أكبر قاعدة بيانات أكاديمية على الإنترنت في الصين، أن الباحثين الصينيين، العسكريين والمدنيين على حد سواء، قد نشروا أكثر من 1000 بحث وتقرير عن "الفضاء القريب"، يركز الكثير منها على تطوير "مركبات الرحلات الفضائية القريبة".

وأحد مجالات الاهتمام هو المراقبة، فبينما تنشر الصين بالفعل شبكة أقمار صناعية مترامية الأطراف للمراقبة المتطورة بعيدة المدى، سلط الخبراء العسكريون الصينيون الضوء على مزايا المركبات الأخف من الهواء.

وكتب شي هونغ، المحرر التنفيذي لمجلة Shipborne Weapons، وهي شركة عسكرية بارزة: على عكس الأقمار الصناعية الدوارة أو الطائرات المتنقلة، فإن الطائرات التي تطير في طبقة الستراتوسفير والمناطيد عالية الارتفاع "يمكن أن تحوم فوق موقع ثابت لفترة طويلة من الزمن" ولا يمكن اكتشافها بسهولة بواسطة الرادار.

وفي مقطع فيديو نشر عام 2021 لوكالة الأنباء الرسمية الصينية "شينخوا"، يشرح الخبير العسكري الصيني تشينج وانمين، كيف يمكن للمركبات الأخف وزنا من الهواء في الفضاء القريب مراقبة والتقاط صور ومقاطع فيديو عالية الدقة بتكلفة أقل بكثير مقارنة بالأقمار الصناعية.

تشنغ وانمين، الخبير في الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع، يناقش تطوير مركبات أخف من الهواء في مقطع فيديو تديره وكالة الأنباء الرسمية شينخوا في عام 2021.
Credit: State Media

ويسلط الخبير الصيني بالجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع، الضوء على التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل في تطوير هذه المركبات، موضحا أن الصين حققت أيضا "اختراقات" خاصة بها.

لاعبون آخرون واستخدامات أخرى

من الواضح أيضا أن الصين ليست وحدها التي ترى استخدامات جديدة لتكنولوجيا تم الاستفادة منها للاستطلاع العسكري منذ أواخر القرن الثامن عشر، عندما استخدمت القوات الفرنسية فيلقا من المناطيد.

كما تعمل الولايات المتحدة على تعزيز قدرتها على استخدام مركبات أخف من الهواء. ففي عام 2021، تعاقدت وزارة الدفاع الأمريكية مع شركة طيران أمريكية للعمل على استخدام مناطيد بمنطقة الستراتوسفير كوسيلة "لتطوير صورة تشغيل أكثر اكتمالاً وتطبيق التأثيرات على ساحة المعركة"، بحسب بيان صادر عن شركة Raven Aerostar.

وقال بريندان مولفاني، مدير معهد دراسات الفضاء الصيني (CASI)، وهو مركز أبحاث يخدم القوات الجوية الأمريكية: "هذا أمر لا يتعلق بالصين فقط، فالولايات المتحدة ودول أخرى تعمل أيضًا على تطوير طائرات عالية الارتفاع ومناطيد ومركبات مماثلة".

وأضاف: "إنها رخيصة الثمن، وتوفر مراقبة دقيقة لفترة طويلة، لجمع الصور والاتصالات والمعلومات الأخرى، ومنها الطقس".

كما تبدو الصين مدركة تمامًا لإمكانية قيام دول أخرى باستخدام المناطيد من أجل التجسس.

أظهر تقرير عام 2019 بثته قناة CCTV العسكرية التابعة للدولة لقطات لمنطاد أثناء انطلاقه
Credit: State Media

ويعتقد مسؤولو المخابرات الأمريكية أن المنطاد الصيني الذي تم تحديده فوق الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة، هو جزء من برنامج مراقبة عسكري صيني واسع النطاق يشتمل على أسطول من المناطيد نفذ عشرات المهام على الأقل في خمس قارات في السنوات الأخيرة، حسبما ذكرت شبكة CNN، الثلاثاء.

وقالت بكين، الخميس، إن هذا التقييم "من المحتمل أن يكون جزءًا من حرب المعلومات الأمريكية" ضد الصين. وأكدت أن المنطاد الذي تم تحديده فوق الولايات المتحدة هو مدني بطبيعته، وربطته بـ"الشركات"، رغم رفضها تقديم مزيد من المعلومات حول الجهة التي صنعت المنطاد.

واعترفت كل من جزيرة تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي، واليابان بوقوع أحداث مماثلة في الماضي، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كانت مرتبطة بحادث المنطاد فوق الولايات المتحدة.

وأقر قائد عسكري أمريكي، الاثنين، بأن الولايات المتحدة لديها "فجوة وعي بالمجال"، سمحت لثلاثة مناطيد صينية أخرى مشتبه بقيامها بأعمال تجسس بعبور أجواء الولايات المتحدة دون أن يتم اكتشافها خلال الإدارة السابقة.

ويعمل فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالي على فهم المزيد حول المعدات المستعادة من المنطاد الذي أُسقط فوق المحيط، بما في ذلك نوع البيانات التي يمكنه جمعها وما إذا كان بإمكانه نقلها في الوقت الفعلي.