تحليل.. كيف تواصل أوكرانيا مجابهة روسيا؟ وماذا يحمل ربيع 2023 للحرب؟

العالم
نشر
11 دقيقة قراءة

تحليل من تيم ليستر بشبكة CNN 

(CNN)-- "عندما تهاجمنا سترى وجوهنا، ليس ظهورنا، ولكن وجوهنا".. كانت هذه الكلمات التي قالها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد ساعات من شن نظيره الروسي فلاديمير بوتين غزوه الشامل لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022.

وتوقع العديد من المحللين أن انهيار المقاومة الأوكرانية خلال أيام، لكن لمدة عام، واجه الجيش الأوكراني بقوة أكبر بكثير، مما أدى إلى تراجع المكاسب الأولية للروس في خاركيف وخيرسون، وصمد في منطقة دونباس التي يشتد التنازع عليها.

وفي هذه العملية، ألحق الأوكرانيون خسائر فادحة بالجيش الروسي، وكشفوا عن التكتيكات التي عفا عليها الزمن والقيادة الفاسدة والمعنويات الهشة لقوة أكثر إثارة للإعجاب في العروض العسكرية منها في ساحة المعركة.

وعلى النقيض من ذلك، أثبتت القوات الأوكرانية أنها ذكية وقادرة على التكيف، حيث سخرت تكنولوجيا الطائرات بدون طيار والقيادة اللامركزية والتخطيط الذكي لاستغلال نقاط الضعف لعدوهم.

وقليلون كانوا يراهنون على أنه بعد مرور عام على هذه الحرب، ستظل القوات الجوية الأوكرانية القديمة قادرة على العمل.

و ربما كان أحد أكثر الأمثلة إثارة للإعجاب، جاء في اليوم الأول من الغزو، عندما استولت قوة روسية كبيرة على مطار في ضواحي العاصمة كييف، مهددة بتحويله إلى جسر للقوات الغازية لزيادة التعزيزات.

وفي الليلة التالية، اخترقت القوات الخاصة الأوكرانية، بدعم من المدفعية، القاعدة وقتلت العشرات من المظليين الروس، وانهار المفهوم الروسي للعمليات، الذي تم التدريب عليه، في مرحلته الأولى.

وأكد هذا الإجراء عزم زيلينسكي (عندما قال "أحتاج إلى ذخيرة وليس رحلة"، مع رفضه عرضا من الولايات المتحدة بالخروج من كييف)، كذلك الأمر بالنسبة لكتيبة صغيرة من الجيش الأوكراني في جزيرة الأفعى عندما ردت على سفينة حربية روسية.

وبعد شهر واحد، انسحب الطابور الروسي الذي كان على الطرق السريعة شمال كييف، كما فعلت الكتائب في شرق العاصمة.

ووصفت موسكو إعادة الانتشار بأنها "بادرة حسن نية". لكنها كانت الأولى من بين العديد من التعديلات التي أُدخلت على خطط روسيا القتالية، التي تمثلت في التغييرات المنتظمة للقيادة، فيما وجهت انتقادات قاسية من مدونين عسكريين لتلك الخطط.

وتم تعزيز الأوكرانيين من خلال دفعات من المعدات الغربية، معظمها أحدث من المعدات الروسية، بداية من الأسلحة المضادة للدبابات البريطانية والأمريكية والطائرات بدون طيار الهجومية التركية التي ساعدت في وقف الزحف الروسي نحو كييف من خلال ضرب الأرتال المكشوفة، ونصب كمائن للنقاط الضعيفة.

وفي وقت لاحق، جاء دور أنظمة الصواريخ الدقيقة متعددة الإطلاق HIMARS والمدفعية بعيدة المدى من فرنسا وبولندا ودول أخرى، والتي مكنت أوكرانيا من تدمير مواقع القيادة الروسية ومخازن الذخيرة ومستودعات الوقود، وتم جمع المعلومات الاستخبارية بدعم من الناتو، مما أدى إلى اكتشفت القوات الأوكرانية أهدافا بسرعة أكبر من القوات الروسية المرهقة، وأعاقت أنظمة الدفاع الجوي الصواريخ الروسية والطائرات بدون طيار وأثنت القوات الجوية عن القيام بمهام داخل المجال الجوي الأوكراني.

ولكن كانت هناك فجوة منتظمة ومكلفة بين ما يحتاجه الأوكرانيون بشدة ومتى يتم تسليمه، وكما قال مسؤول أوكراني لشبكة CNN هذا الشهر: "نحن بحاجة للمساعدة أمس ووعدنا بذلك غدا، والفرق بين الأمس والغد هو حياة شعبنا".

وأحدث مثال لهذه الفجوة هو التدافع لتوفير الدبابات بعد أشهر من التردد، حيث تم تخصيص دبابات Leopard 2s و Challengers و Abrams M-1s لأوكرانيا، وهي متفوقة بشكل كبير على الدبابات الروسية لكن الأرقام غير واضحة - تتراوح من بضع عشرات إلى 300 - وحتى مع وجود فرصا مواتية، لن يكون أي منها في الميدان حتى أبريل/ نيسان، ويجب بعد ذلك دمجها في مجموعات قتالية لتكون على استعداد لقتال العدو.

"نحن بحاجة إلى قذائف"

ولكن في هذه الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي، فإن أوكرانيا لديها احتياجات أكثر إلحاحًا من الدبابات، فخلال جولة فريق CNN التي استمرت أسبوعين لمواقع الخطوط الأمامية، ردد أحدهم مرارا وتكرارا: "نحن بحاجة إلى قذائف".

وظهر جندي أوكراني على شاشة التلفزيون الأسبوع الماضي، وقال: "نحتاج إلى قذائف وقذائف، ومرة أخرى، قذائف".

وبينما تتدرب أوكرانيا على المعدات الغربية فإنها تحاول أيضًا خوض حرب بمعدات تعود إلى الحقبة السوفيتية، وتجوب العالم بحثًا عن ذخائر وقطع غيار. ويعتبر "العجز في الذخيرة" هو نقطة الضعف في مواجهة المخزون الروسي الهائل من أنظمة المدفعية والصواريخ.

وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، الأسبوع الماضي: "من الواضح أننا في سباق لوجستي".

ويمكن الآن تقسيم احتياجات أوكرانيا إلى (قذائف، ودفاعات جوية، وصواريخ قصيرة وبعيدة المدى)، وتاليا (الدبابات وبطاريات باتريوت والقنابل المعروفة باسم GLSDB والتي يبلغ مداها حوالي 100 ميل (160 كيلومترًا).

ويعد أحد الدروس التي تعلمها الروس هو وضع محاور لوجستية بعيدًا عن متناول الهجمات، وبالتالي فإن توقيت تسليم GLSDB والأنظمة طويلة المدى التي وعدت بها المملكة المتحدة لأوكرانيا هو أمر بالغ الأهمية.

وتتوقع مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات"، ومقرها واشنطن، أن "أول شحنة من قنابل GLSDBs لن تصل قبل الخريف، ومن المحتمل أن تشارك في الهجمات التي ستحدد المسار المستقبلي للحرب".

وبعيدًا عن الحاضر وما بعد، يشعر المسؤولون الأوكرانيون بالإحباط من المطالب التي تم رفضها، التي تشمل حاليًا طائرات مقاتلة من طراز F-16 وصواريخ ATACMS التكتيكية الأمريكية، بمدى يصل إلى 186 ميلاً (300 كيلومتر).

ورفض حلفاء أوكرانيا باستمرار تقديم أي شيء من شأنه أن يمكّن أوكرانيا من ضرب الأراضي الروسية، وهو خط أحمر أشارت إليه موسكو.

الكرملين يخطط لخطواته التالية

وخلال زيارة مفاجئة قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى كييف يوم الاثنين، قال زيلينسكي إنه يأمل أن تنتهي الحرب بحلول نهاية عام 2023.

وعلى الرغم من أن العام الأول من هذا الصراع قد ألقى بالكثير من المفاجآت، يبدو أن الأسابيع القليلة المقبلة من المرجح أن تجلب هجومًا روسيًا أكثر شدة في نقاط مختلفة على طول خط المواجهة المتعرج من خاركيف إلى زاباروجيا - لتحقيق هدف الكرملين المعلن المتمثل في الاستيلاء على باقي مناطق لوغانسك ودونيتسك.

ويتوقع بعض المسؤولين الغربيين أن تصبح القوات الجوية الروسية الغائبة إلى حد كبير في العمليات حتى الآن، عنصرًا أكثر أهمية في الخطة الروسية، وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الأسبوع الماضي: "نحن نعلم أن روسيا لديها عدد كبير من الطائرات والكثير من المعدات".

ومع بدء الهجوم، قد لا تشعر القيادة العليا الروسية بالتشجيع. سارت المحاولات المتكررة للتقدم في منطقة فولدار بشكل سيء.

إن الفشل حتى في تقديم باخموت كنصر للكرملين قبل الذكرى السنوية هو تذكير بأن الروس أكثر قدرة على إلحاق الدمار من الاستيلاء على الأراضي.

وقال مسؤولون أمريكيون وبريطانيون وأوكرانيون كبار، لشبكة CNN، إنهم متشككون في أن روسيا حشدت قواتها والموارد لتحقيق مكاسب كبيرة.

وذكر مسؤول عسكري أمريكي كبير الأسبوع الماضي، إنه "من المرجح أن يكون الأمر أكثر طموحًا من الواقعية"، مع تحرك القوات الروسية قبل أن تكون جاهزة، بسبب ضغوط سياسية من الكرملين.

وعُيِّن رئيس الأركان العامة الروسي فاليري غيراسيموف مسؤولًا مباشرًا عن حملة أوكرانيا الشهر الماضي، مما دفع المحلل دارا ماسيكوت، إلى القول إن "احتمال مطالبة الروس من قوتهم المتعبة بفعل شيء لا يمكنهم التعامل معه يتزايد بشكل كبير".

إذا فشل هذا الهجوم الذي طال انتظاره، بعد حشد 300 ألف رجل، فما هي الخطوة التالية للكرملين؟

إذا كان الماضي هو أفضل مؤشر على المستقبل، فإن بوتين سيقوم بمخاطرة أخرى.

وربما ستكون هناك تعبئة ثانية (غير معلن عنها)، ومضاعفة الهجمات الصاروخية التي تهدف إلى شل البنية التحتية الأوكرانية.

وأعربت الولايات المتحدة عن انزعاجها مما تعتبره جهودا روسية لزعزعة استقرار مولدوفا على الجناح الجنوبي لأوكرانيا، وهي اتهامات نفتها موسكو.

إن الخطة التي نجحت مع الروس في هذا الصراع هي إحداث أضرار بالغة بما هو أمامهم، بحيث لا يتبقى شيء للدفاع عنه، ولقد رأينا ذلك في سيفيرودونتسك وليسيتشانسك وبوباسنا وقبل كل شيء في ماريوبول.

ولو استولت روسيا على جزء من دونيتسك لا يزال في أيدي الأوكرانيين، فسيتطلب ذلك هدم منطقة بحجم ولاية كونيتيكت، وقال مسؤولون أوكرانيون وغربيون إن هناك بالفعل مشكلات تتعلق بتزويد خطوط المواجهة الروسية بالذخائر.

إن الهجوم المضاد الناجح من قبل القوات الأوكرانية، خاصة مع التوجه جنوبًا عبر زاباروجيا نحو ميليتوبول، من شأنه أن يزيد من مخاطر الكرملين.

وفي سبتمبر/ أيلول، حذر بوتين من أنه "في حالة تهديد السلامة الإقليمية لبلدنا والدفاع عن روسيا وشعبنا، فإننا بالتأكيد سنستخدم جميع أنظمة الأسلحة المتاحة لنا. هذه ليست خدعة".

وتعتبر روسيا مليتوبول وجزءًا كبيرًا من جنوب أوكرانيا أراض روسية بعد استفتاءات زائفة في الخريف الماضي.

لكن أوكرانيا ستحتاج إلى وقت لاستيعاب الدبابات والمركبات القتالية وغيرها من المعدات لاختراق الخطوط الروسية، التي هي أعمق وأكثر كثافة مما كانت عليه قبل بضعة أشهر.

ومن الممكن، وربما حتى على الأرجح، أنه بعد اندلاع موجة من الغضب هذا الربيع، فإن الصراع سوف يستقر في حالة ركود عنيف، وسط الاستنزاف المستمر والخسائر الكبيرة.

وربما لا تتحقق عبارة "أعداءنا سيختفون مثل الندى في الشمس" الموجودة في النشيد الوطني الأوكراني خلال عام 2023.