هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
غزة.. نعم غزة، فهي من المرات النادرة التي يذكر فيها اسم بلد أو منطقة خارج أمريكا في خطاب حال الاتحاد لأي رئيس بصرف النظر عن حزبه أو مستوى الرضى الشعبي على رئاسته.
الكشف عن تكليف الجيش الأمريكي بإقامة ميناء -هو أقرب إلى الرصيف "بيير لا بورت"- على بحر غزة بالتنسيق المسبق مع إسرائيل بعد اتفاقها مع لارنكا -الشطر اليوناني من قبرص- هذا الإعلان وفي خطاب حال الاتحاد، ليس بالأمر البسيط فكلفته عالية على أي رئيس خاصة إن كان طامحا بولاية رئاسية ثانية.
تكليف الجيش -الذي يرى كثيرون أنه من الأولى تكليفه بحراسة الحدود مع المكسيك- تكليفه من حيث التوقيت والمهمة يعتبر أمرا كبيرا، بعد خمسة أشهر من حرب السابع من أكتوبر وقبل أسبوع من حلول شهر رمضان الذي قد يكون الفرصة الأخيرة لآخر مهلة قبل اقتحام رفح الفلسطينية بريا، أو قصفها على نحو يذكّر بقصف الحلفاء لدرسدن إبان الحرب العالمية الثانية لتحرير ألمانيا من نازية القرن العشرين.
الرئيس الأمريكي الذي خدم ابنه -الراحل "بو"- في العراق وقضى نحبه في مواجهة مع السرطان، يعلم كأب قبل أن يكون سيناتورا أو نائبا للرئيس أو رئيس، يعلم ماذا يعنيه مقتل أو إصابة جندي تنتظر أسرته عودته دون التفات لسجالات السياسيين وممحاكاتهم وخصوماتهم التي تبقى سخيفة في نظر والدين مكلومين. القضية بالنسبة لهم خدمة وطن على أسس تطوعية، فلا إلزامية للخدمة العسكرية في أمريكا.
في عز تفاعله الخطابي مساء الخميس مع مجلسي الشيوخ والنواب، قاطع أب أحد ضحايا التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة 13 جنديا أمريكيا خلال عملية انسحاب القوات الأمريكية النهائية من أفغانستان، قاطعه صارخا باسم ابنه "كريم" الذي قضى نحبه بالانفجار والذي انتحر فيما بعد حزنا عليه، أخوه الأكبر. أب مكلوم بفقد ابنين في زهرة الشباب، لم يكن مجرد "هاكلَر" -المشاغب المقاطع للآخرين أثناء حديثهم- بل صرخة كانت لها أصداؤها الداخلية أيضا.
الصرخة الأولى كانت قبيل الخطاب وبعيده، مارغريت تايلور غرين المعروفة اختصارا بـ "إم تي جي" حملت صورة مثبتة على الصدر كما الوسام لـ "ليكن ريلاي" مواطنتها كنائب عن ولاية جورجيا، وهي إحدى ضحايا الهجرة غير الشرعية من المجرمين الذين يتم اعادتهم للمجتمع فيما يعرف بـ "سياسة امسك واترك" (كاتش آند ريلييس). تأثر بايدن واستجاب وذكر اسمها رافعا صورتها في رسالة تضامن من على منبر خطاب حال الاتحاد، وإن أتت بعد أقل من 48 ساعة على قرار فرضه الجمهوريون كأغلبية في مجلس النواب حمل اسمها، ويأمر -تشريعيا-مسؤولي انفاذ القانون المعروفة اختصارا فيما يخص أمن الهجرة بـ "آيس" يأمرهم باستمرار احتجاز أي مخالف للقانون من المهاجرين غير الشرعيين لحين صدور أمر قضائي: إما ترحيله أو النظر في طلبه اللجوء إن كان مستحقا ومستوفيا الشروط القانونية.
أما بعد الخطاب، فكان كما جرى العرف، رد النائب عن الحزب الجمهوري كاتي بريت عن ولاية آلاباما التي اختارت خلفية غير تقليدية لتوجيه رد الحزب على الرئيس. تحدثت من مطبخ بيتها! نعم، تحدثت عبر هذه الصورة المعبّرة عن أهم قضيتين انتخابيتين في 2024: ضبط الحدود وإنعاش الاقتصاد.
أما خصم بايدن اللدود الذي لم يذكر اسمه قط في الخطاب، دونالد ترامب فقد كال الاتهامات لإدارة بايدن سياسيا وشخصيا، فيما أصدرت حملته شريط فيديو دعائيا تلاعب بالصورة على نحو كاريكاتوري، سخر فيه من الرئيس ونائبه كامالا هاريس، فيما يريد أن يظهره بأنه اختيار بينه وبين كاملا في حال غياب الرئيس لأي سبب كان.
بين وودرو ويلسون أول من ألقى خطاب اتحاد في أمريكا عام 1801 وكل من ترامب وبايدن وهما يستعدان لجولة نزال أخرى، بينهم الكثير من الفوارق والقليل إن لم يكن النادر مما يجمعهم كرؤساء، لكن في كل الحالات لدى الرئيسين المتنافسين الكثير الذي يعني قضايا الشرق الأوسط في الصميم، وما تداعيات حرب السابع من اكتوبر واقتحام رفح إن تم، إلا البداية.. مستقبل نظم وتنظيمات برمتها قيد النظر على ضوء ما يعرف باليوم التالي في غزة..