تحليل من إعداد سيمون مكارثي من شبكة CNN
(CNN)-- بينما يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، بزيارته الأولى لكوريا الشمالية منذ أكثر من عقدين من الزمن، يُنظر إلى تركيزه على نطاق واسع على تأمين الدعم المستمر من الدولة المنعزلة لحربه الطاحنة في أوكرانيا.
وكثف بوتين اتصالاته مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون العام الماضي مع تضاؤل مخزوناته من الأسلحة وتدفق الذخائر والصواريخ من البلاد إلى روسيا منذ القمة التاريخية بين الزعيمين في سبتمبر/ أيلول، حسبما تقول حكومات متعددة، حتى مع قيام كل من بيونغ يانغ وموسكو بنفي عمليات نقل الأسلحة.
ولكن في حين أن اجتماع الزعيمين في العاصمة بيونغ يانغ المعزولة عالميا والمصممة على الطراز السوفييتي يوفر فرصة للحاكمين المستبدين لمناقشة كيفية توسيع هذا التعاون، يقول المراقبون إنه ستكون له عواقب تتجاوز ساحة المعركة في أوكرانيا.
إن وصول بوتين إلى بيونغ يانغ، في الساعات الأولى من الأربعاء بالتوقيت المحلي، في زيارة تستغرق يومين يمثل خطوة مهمة إلى الأمام نحو شراكة مبنية على العداء المشترك للغرب وحلفائه، وهي الشراكة التي تعمل على تمكين الزعيمين وتعميق خطوط الصدع العالمية.
ومن المتوقع أن يوقع الاثنان اتفاقية شراكة استراتيجية جديدة، حيث قال بوتين قبل الزيارة إنهما "سيشكلان بنية الأمن غير القابل للتجزئة في أوراسيا"، وفقا للكرملين.
وقال المحاضر في الشؤون السياسة بجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، إدوارد هاول: " نحن نشهد قيام الدولتين بتشكيل جبهة موحدة ومنسقة بشكل متزايد ضد الولايات المتحدة والغرب".
ولم يبرز هذه الانقسامات إلا توقيت الزيارة التي تأتي في أعقاب اجتماع بوتين مع الحليف الوثيق الزعيم الصيني شي جينبينغ الشهر الماضي وبعد أن استغل الزعماء الديمقراطيون من مجموعة السبع قمة في إيطاليا لإظهار التضامن ضد حرب موسكو على أوكرانيا.
ويأتي ذلك أيضا في الوقت الذي اعترضت فيه كوريا الشمالية على التعاون الأمني المتزايد بين الولايات المتحدة وحلفائها كوريا الجنوبية واليابان، مما أثار المخاوف من خطابها المتصاعد والاختبارات المستمرة لتعزيز برنامج أسلحة غير قانوني.
ولا يزال من غير المعروف علنًا ما الذي تحصل عليه بيونغ يانغ مقابل دعمها للحرب الروسية لكن الحكومات من سيول إلى واشنطن سوف تراقب عن كثب بحثا عن أي إشارات تشير إلى مدى استعداد الزعيم الروسي، الذي دعم في الماضي الضوابط الدولية على برنامج الأسلحة غير القانوني لكوريا الشمالية، لدعم نظام كيم العدواني.
ماذا تريد روسيا وكوريا الشمالية من بعضهما البعض؟
ففي الأشهر التي تلت ركوب كيم قطاره المدرع عبر منطقة الشرق الأقصى للبلاد لحضور قمة تاريخية في سبتمبر/أيلول مع بوتين، بدا الأمر وكأن الذخائر الكورية الشمالية تتدفق إلى روسيا ــ وتُطلق في هجومها على أوكرانيا.
وتلقت روسيا أكثر من 10 آلاف حاوية شحن – أي ما يعادل 260 ألف طن من الذخائر أو المواد المرتبطة بها – من كوريا الشمالية منذ سبتمبر/أيلول، وفقاً لبيان أمريكي في فبراير/شباط.
وقال مسؤول أمريكي في مارس/آذار إن القوات الروسية أطلقت أيضا ما لا يقل عن 10 صواريخ كورية شمالية على أوكرانيا منذ سبتمبر/أيلول.
ويقول مراقبون إن الأسلحة قد تكون أقل جودة من الأسلحة الروسية، لكنها ساعدت روسيا على تجديد مخزونها المتضائل ومواكبة دعم الأسلحة الذي تتلقاه أوكرانيا من الغرب.
وقد يمكّن هذا الترتيب أيضًا كوريا الشمالية من الحصول على معلومات استخباراتية حول أسلحتها ومساعدتها على زيادة الصادرات على نطاق أوسع.
وفي مقال نشرته وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية قبل الزيارة، شكر بوتين بيونغ يانغ على إظهار "الدعم الثابت" للحرب الروسية في أوكرانيا، وقال إن البلدين "مستعدان لمواجهة طموح الغرب الجماعي".
ويُنظر إلى بوتين على نطاق واسع على أنه مستعد لاستغلال زيارته، التي دعاه كيم للقيام بها في سبتمبر الماضي، لتأمين الدعم المستمر.
ولا يُعرف سوى القليل عن التعويضات التي حصلت عليها بيونغ يانغ حتى الآن في المقابل.
وقال مسؤولون كوريون جنوبيون إن جارتهم تتلقى شحنات من المواد الغذائية وغيرها من الضروريات من روسيا، ولا يوجد نقص في احتياجات الاقتصاد الكوري الشمالي الذي يعاني من العقوبات، والذي يفتقر بالإضافة إلى الغذاء إلى الوقود والمواد الخام - ولكنه يسعى أيضًا إلى تعزيز برامج الصاروخية والنووية.
وأبدى بوتين استعداده لمساعدة كوريا الشمالية في تطوير برنامجها الفضائي والأقمار الصناعية خلال اجتماعهما في سبتمبر، والذي انعقد في منشأة لإطلاق الصواريخ.
ومنذ ذلك الحين ظهرت دلائل على تقديم مثل هذه المساعدة، بما في ذلك الإطلاق الناجح لأول قمر صناعي للاستطلاع العسكري لكوريا الشمالية "ماليجيونج -1" بعد أسابيع من الزيارة، بعد محاولتين فاشلتين.
ويمكن لمثل هذه الأقمار الصناعية أن تساعد كوريا الشمالية على تحسين قدراتها العسكرية، على سبيل المثال، تمكينها من استهداف القوات المعادية بشكل أكثر دقة بصواريخها الخاصة.
ويُمنع على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقديم المساعدة المباشرة أو غير المباشرة لكوريا الشمالية وكذلك المشاركة في عمليات نقل الأسلحة مع بيونغ يانغ.
لكن كيم يتطلع أيضًا إلى الوصول إلى المعرفة الفنية لمجموعة من الأسلحة الروسية المتقدمة، كما يقول الخبراء، بالإضافة إلى التكنولوجيا المرتبطة بتخصيب اليورانيوم أو تصميم المفاعلات أوتشغيل الغواصات النووية.
وبحسب محللين، يرى الزعيم الكوري الشمالي أن برامج أسلحته ضرورية لبقاء نظامه.
وقال الزميل في برنامج السياسية النووية أنكيت باندا من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن: ويرى الزعيم الكوري الشمالي أن برامج أسلحته ضرورية لبقاء نظامه، بحسب محللين.
وأضاف: "من غير المرجح أن يكون بوتين حريصا للغاية على بدء التعاون بالضرورة بشأن هذه القضايا المتعلقة بالتقنيات ذات الصلة بالطاقة النووية عندما تكون هناك قائمة طويلة من التقنيات الأقل حساسية التي يمكن للروس أن يشاركوا فيها مثل تحسين أنظمة الرادار أو صواريخ أرض جو".
كان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال عندما سُئل الأسبوع الماضي عن المخاوف الغربية من أن روسيا تدرس نقل تقنيات حساسة إلى بيونغ يانغ، إن "إمكانات البلدين لتطوير العلاقات الثنائية عميقة ولا ينبغي أن تسبب قلقا لأي شخص ولا ينبغي لها أن تفعل ذلك ولا يمكن لأحد أن يتحدها".
"عالم مأساوي"
ومع ذلك، فإن أي دعم من بوتين، الذي هو زعيم لدولة عضو دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يعد بمثابة نعمة كبيرة لكيم، المعزول على المسرح العالمي.
وبالنسبة لبوتين أيضاً، تمثل الزيارة فرصة لإرسال إشارة، أو تهديد، أن روسيا ليست وحدها.
وقال كبير مديري السياسات في مركز مراقبة الأسلحة ومنع انتشار الأسلحة النووية جون إيراث، إن "بوتين يسلط الضوء على أن روسيا لديها أصدقاء، ويروج لفكرة أن الحرب لا يمكن كسبها بالنسبة لأوكرانيا لأن أسلحة روسيا لن تنفد".
وأضاف: "ربما يرى الزعيم الروسي أيضا في العلاقة مع كيم وسيلة لإثارة شبح الحرب النووية، مستغلا مخاوف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بشأن كوريا الشمالية، بحيث يجبرها أصدقاء أوكرانيا على البحث عن حل تفاوضي بشأن مشكلة روسيا".
وعرض بوتين "شروط للسلام"، الجمعة، قبل قمة السلام الدولية التي تدعمها أوكرانيا في نهاية الأسبوع والتي لم تحضرها روسيا.
وتضمنت الشروط انسحاب القوات الأوكرانية من أربع مناطق محتلة جزئياً، وهو الموقف الذي اعتبرته كييف وحلفاؤها غير مقبول.
وفي رسالته التي نشرتها وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية قبل الزيارة، وصف بوتين البلدين بأنهما يواجهان ما أسماه الجهود الأمريكية لفرض "ديكتاتورية استعمارية جديدة" على العالم.
ويتفق المراقبون على أنه من غير المرجح في هذه المرحلة أن يساعد بوتين بشكل مباشر البرنامج النووي لكوريا الشمالية، حيث لا يرغب بوتين ولا شريكه المقرب شي في رؤية مواجهة نووية في المنطقة.
ولكن أصبح من الواضح أيضًا أن العلاقات المتنامية بين كوريا الشمالية وروسيا، فضلاً عن الهوة الآخذة في الاتساع بين روسيا والصين والغرب، تؤثر على الجهود الدولية للسيطرة على برنامج الأسلحة الكوري الشمالي.
واستخدمت روسيا في مارس/آذار حق النقض (الفيتو) ضد قرار للأمم المتحدة لتجديد تشكيل لجنة خبراء مستقلة تحقق في انتهاكات البلاد لعقوبات مجلس الأمن وامتنعت الصين عن التصويت.
وعرقلت الدولتان في السنوات الأخيرة التحرك في المجلس فيما يتعلق بكوريا الشمالية مع تزايد تشككهما في العقوبات التي تدعمها الولايات المتحدة.
وتتناقض الانقسامات العميقة اليوم مع التعاون الذي حدث في العقود الأخيرة بين روسيا والصين والولايات المتحدة، وفقا للسفير الأمريكي السابق لدى روسيا والمسؤول في مجلس الأمن القومي مايكل ماكفول.
وأشار ماكفول إلى تجاربه خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في العمل على جهود منع الانتشار النووي المتعلقة بكوريا الشمالية وإيران.
وقال ماكفول، في لقاء استضافه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الشهر الماضي: "كنا نتعاون مع الروس على كلتا الجبهتين... كنا نجتمع، وكانت لدينا نفس الأهداف... وكان الصينيون معنا على قدم وساق في كلتا الحالتين، والآن انظر إلى ما نحن فيه اليوم، على العكس تماما... نحن لا نتعاون على الإطلاق.. هذا عالم جديد ومأساوي".