تعويم الجنيه المصري.. البحث عن "شهادة ثقة" من "جيب المواطن"
القاهرة، مصر (CNN)-- بين ليلة وضحاها، أصبحت كلمتي "تعويم الجنيه" مثار الحديث والجدل على شبكات التواصل الاجتماعي وبرامج "التوك شو"، التي يقضي المصريون ساعاتهم أمامها في المساء.
حالة الزخم والاهتمام بما يشهده الاقتصاد المصري تعود إلى اتفاق القاهرة وصندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات، حيث ينتظر المواطنون الخطوات التي قد تتخذ تنفيذًا لشروطه.
وللمصريين تاريخ مع ما يعرف بـ"تعويم الجنيه"، وذلك في سنوات حكم الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، فقد سبق وقرر عاطف عبيد، رئيس مجلس الوزراء، آنذاك، عام 2003، اتخاذ قرار التعويم، الأمر الذي تسبب في ارتفاع سعر الدولار بنسبة اقتربت من 50%.
وكان سعر الدولار قبل قرار تعويم الجنيه، عام 2003، بـ3 جنيهات و40 قرشًا، لكن مع سريان تنفيذه بلغت قيمته نحو 5 جنيهات و50 قرشًا حتى استقر حينها عند 6 جنيهات و20 قرشًا.
قد يهمك.. "اليوان" في قناة السويس.. شراكة على "طريق الحرير"
ويعني "تعويم الجنيه" أن يكون سعر صرفه مقابل الدولار أو أي عملة أجنبية بعيدًا عن أي تدخل من الحكومة أو البنك المركزي في تحديد سعره، وترتبط قيمته بالعرض والطلب، وينقسم "التعويم" إلى نوعين، وهما "التعويم الخالص، الذي يتحدد فيه سعر صرف الجنيه من خلال آلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الحكومة عن أي تدخل في تحديد قيمته، بينما النوع الثاني يُعرف بـ"التعويم المدار"، الذي يتحدد فيه سعر صرف الجنيه وفقًا لآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل من خلال البنك المركزي وقت الحاجة.
وفي مزاحه، الذي اعتبرته كذلك الإعلامية المصرية، لميس الحديدي، في لقائها مع محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، حين كان يتحدث عن سياساته لإدارة الأمور النقدية في البلاد، قال إن "الدولار سيصل لـ4 جنيهات".
لكن مزاح عامر لم يدم بعد حواره، الذي كان في مطلع العام الجاري، فارتفعت قيمة الدولار بينما تهاوى الجنيه، فضلًا عن أن "السوق السوداء"، التي تخالف الضوابط الرسمية المصرية لصرفه، كانت تقدمه بسعر أعلى مما يقرره البنك المركزي المصري، فالدولار بـ8.88 جنيهات، بينما يتجاوز 14 جنيها في السوق السوداء. ويتوقع الخبراء أن يتراوح سعر الدولار بين 14 و15 جنيها في حال التعويم.
لجوء مصر إلى صندوق النقد الدولي نال جدلًا واسعًا بين مؤيد ومعارض، فالحكومة تعول على القرض للسيطرة على ارتفاع سعر الدولار وإعطاء شهادة ثقة بالاقتصاد المصري، بينما تلقت محكمة القضاء الإداري في القاهرة دعوى تطالبها بإصدار قرار قضائي يلزم الدولة المصرية بوقف خطواتها نحو الحصول على القرض.
الخبير الاقتصادي، عمر الشنيطي، مؤسس "مجموعة مالتبيلز للاستثمار"، وهي شركة لإدارة الأصول والاستشارات المالية مقرها دبي، تحدث لـCNN بالعربية، عن حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي، قائلًا: "هناك اشتراطات لحصول القاهرة على القرض، من خلال وضع سياسة اقتصادية مستدامة ليضمن الصندوق تسديد ديونها، وذلك عن طريق متابعة هيكلة الاقتصاد وليس الإقراض فقط، وتقليل الدعم ورواتب الموظفين، وهي اشتراطات منطقية ولها تأثير على السياسة المالية المصرية كما هو الحال على أي دولة"، مضيفًا أن "البنك المركزي يحاول التعاقد مع صندوق النقد الدولي للحصول على شهادة ثقة مؤسسة كبيرة تساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية بشكل سريع".
وفيما يتعلق بارتفاع سعر الدولار في مصر، يرى الشنيطي أن "الحل في وجود نظام سعر صرف مرن، وبتطبيق ما يعرف بالتعويم المدار"، مشددًا على أن زيادة قيمة الدولار بالنسبة للجنيه "ليست السبب الوحيد لارتفاع الأسعار".
وتعهد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بالسيطرة على أزمة ارتفاع الأسعار، قائلًا: "خلال شهر أو شهرين حجم السلع هيكون حجم معتبر والأسعار هيتم السيطرة عليها تاني بغض النظر عن سعر الدولار.. وده التزام من الحكومة تجاه الشعب". وسبق للسيسي أن أعرب عن أمله في أن تنتهي الفكرة، التي تشكلت في أذهان الناس بأن "الدولار سلعة".
وقال السيسي، خلال لقائه مع الشباب المشاركين في برنامج (محاكاة الحكومة المصرية)، والذي ينظمه البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة: "هناك من حول الدولار إلى سلع دولارية، فيقولون خليه في البيت لأن بكره هيكون له ثمن أكثر.. وفي هذه الحالة تحتاج الحكومة إلى اتخاذ إجراءات تنهي بها هذه الطريقة في التعامل مع الدولار.. بكره بإذن الله الناس تذهب إلى البنوك لفك الدولار"، وفقًا للتصريحات التي نقلتها وكالة الأنباء المصرية الرسمية.
بدوره، يرى عضو مجلس النواب المصري، هيثم الحريري، أنه "بشكل عام طالما تستعين مصر بالقروض فإنها تبتعد عن مفهوم الاستقلال الوطني، فمن ضمن شروط صندوق النقد الدولي تعويم الجنيه، وهذا يدل على عدم استقلال مصر فيما يخص القرار الاقتصادي والسياسي"، وفقًا لوجهة نظره.
كما اعتبر الحريري في حديثه لـ"CNN" أن "تعويم الجنيه سيؤدي إلى معاناة المواطن المصري وتحمله أعباء مادية يدفعها من جيبه لتسديد ديون الصندوق"، معتبرًا أن "تعويم الجنيه أسوأ الحلول، التي لجأت إليها الحكومة المصرية لتوفير السيولة النقدية، والذي سيكون له أضرار جسيمة على المواطن المصري نتيجة لارتفاع الأسعار وزيادة تكلفة الدين الخارجي والعجز في الموازنة مع نقص الرواتب، التي خفضها قانون الخدمة المدنية"، في إشارة منه إلى القانون المنظم لطبيعة عمل الموظفين الحكوميين في مصر.
في المقابل، تنفي وزارة المالية المصرية وجود أي شرط من صندوق النقد الدولي بشأن منح مصر قرضًا بقيمة 12 مليار دولار، مؤكدة أن المشاورات التي تجري مع الصندوق لم تخرج عن برنامج الإصلاح المقرر.
وشددت وزارة المالية المصرية، في بيان صحفي، على أن "البرنامج الذي تتم مناقشته مع بعثة الصندوق حاليًا هو برنامج مصري مئة بالمئة، حظي بموافقة مجلس النواب وهو جزء من رؤية مصر 2030، وهو ما يرد على ما تنشره بعض وسائل الإعلام من تقارير مغلوطة تتحدث عن وجود شروط للصندوق أو توصيات بتسريح مليوني موظف من الجهاز الإداري للدولة، فهذه الأخبار عارية تمامًا عن الصحة".