دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يدق العلماء ناقوس الخطر بشأن نفاد الوقت اللازم لخفض الوقود الأحفوري.
وتكشف البيانات الصادرة عن مجموعة "Climate Action Tracker"، وهي مجموعة بحثية مستقلة، عن مقدار التلوث الذي لا يزال يسبب تسخين الكوكب، ومن هي الدول الأكثر تلويثًا، ومدى التقدم الذي لا يزال يتعين إحرازه.
وفي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "كوب 28"، تناقشت الدول حول مدى تقدمها نحو تعهد اتفاق باريس بالحفاظ على ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين، مع طموح الحد من ذلك إلى 1.5 درجة مئوية.
ووضعت سنوات من العمل الدولي بشأن المناخ العالم على الطريق الصحيح، إذ أن الاحترار العالمي المتوقع أقل بكثير مما كان عليه قبل عقد من الزمن.
لكن الوتيرة لا تزال بطيئة للغاية.
وقال نيكلاس هوني، وهو عالم المناخ لدى معهد "NewClimate" غير الربحي، الذي يعمل في برنامج تعقب العمل المناخي: "إنها ليست بعيدة بعض الشيء. إنها بعيدة تماما".
وقد حذرت مجموعة متزايدة من العلماء من أن الهدف 1.5 درجو مئوية ربما يكون مستحيلا الآن، لكن هذا لا يعني أن هناك إلحاحًا أقل.
وأوضحت تارين فرانسين، وهي مديرة العلوم والأبحاث والبيانات في برنامج المناخ العالمي التابع لمعهد الموارد العالمية: "كل جزء من الدرجة يحدث فرقًا كبيرًا جدًا في التأثيرات على الأرض".
ويعني الفرق بين 1.5 و2 درجة مئوية أن مئات الملايين من الأرواح ستكون معرضة للخطر بسبب الأحداث المناخية القاسية. وبالنسبة لبعض النظم البيئية، يُعد ذلك بمثابة حكم بالإعدام.
وأشارت فرانسين إلى أنه بالنسبة للشعاب المرجانية، فإن ذلك يمثل الفرق بين "محوها من على وجه الأرض" والقدرة على التمسك ببعضها.
وذكرت أن المهمة التي أمامنا تُشبه "إعادة توجيه ناقلة ضخمة"، ولا يمكن القيام بذلك على الفور أو بسهولة.
وتابعت: "المشكلة هي أن المهلة الزمنية قد استنفدت، وعلينا الآن أن ندير السفينة بسرعة كبيرة جدًا".
إليكم نظرة عبر البيانات أدناه توضح سبب صعوبة الأمر.
تحكي أهداف أكبر الدول الملوثة للمناخ في العالم قصصًا مختلفة تمامًا.
وارتفع معدل التلوث الناتج عن تسخين الكوكب في الصين، حيث اعتمدت البلاد بشكل كبير على الفحم لتنمية اقتصادها. لكن انبعاثاتها بدأت في الاستقرار، ومن المتوقع أن تصل إلى ذروتها بحلول عام 2025، وفقًا لموقع "Climate Action Tracker". والتزمت الصين للتو، إلى جانب الولايات المتحدة، بتعزيز الطاقة المتجددة، وخفض كافة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي.
وقال بيير فريدلينغشتاين، وهو أستاذ المناخ في جامعة إكستر بالمملكة المتحدة، إن البلاد تعاني من مفارقة، إذ تعمل الصين على تطوير الطاقة المتجددة بشكل أسرع من أي مكان في العالم، ولكنها تضيف أيضاً طاقة جديدة تعتمد على الفحم.
وفي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ظلت مستويات التلوث الناجمة عن تسخين الكوكب في انخفاض لسنوات عديدة، حيث تعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تعزيز طموح سياساتهما المناخية. وفي العام الماضي، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن على قانون الحد من التضخم، وهو أكبر استثمار مناخي في تاريخ البلاد، كما وضع الاتحاد الأوروبي خطة طموحة لتوسيع نطاق الطاقة النظيفة بشكل أكبر.
وقال نيكلاس هوني عالم المناخ في معهد NewClimate غير الربحي الذي يعمل في برنامج تعقب العمل المناخي: "لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه". وتبدأ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروربي من مستويات عالية من الانبعاثات، ولا يزال هناك مسافة كبيرة للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050 - وهي خطة للحد من التلوث الناتج عن تسخين الكوكب إلى ما يقرب من الصفر قدر الإمكان، وإزالة ما تبقى من الغلاف الجوي.
وأشارت فرانسين إلى أن الهند، حيث ترتفع الانبعاثات بشكل حاد، غالبا ما يتم ربطها بالصين، وهما من الاقتصادات الناشئة الكبيرة والأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، لافتة إلى أنهما تختلفان بالواقع.
قطعت الهند شوطا طويلا في مسارها التنموي، ولم تساهم إلا بقدر ضئيل للغاية في الانبعاثات التاريخية. وقالت فرانسين إن الدولة التي يزيد عدد سكانها عن 1.4 مليار نسمة لديها انبعاثات أقل بكثير للفرد مقارنة بالصين، ولا تزال تتصارع مع "مستويات هائلة من الفقر".
ومع تطور الهند، من المتوقع أن تزيد انبعاثاتها. وبينما تستثمر في مشاريع الطاقة المتجددة الكبرى، فإنها تستمر أيضًا بالإعتماد على الفحم.
عندما يتم حرق الفحم والنفط والغاز، تؤدي هذه العملية إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، حيث يبقى ويستمر في رفع درجة حرارة الكوكب لمئات السنين.
وقالت فرانسين إن "ما يسبب تغير المناخ اليوم ليس فقط كمية الانبعاثات التي حدثت هذا العام، بل جميع الانبعاثات التي حدثت على الأقل منذ الثورة الصناعية".
ورغم أن الصين ربما كانت أكبر ملوث في عام 2022، إلا أن الولايات المتحدة كانت الأكبر على مرّ الزمن.
ولا تتحمل البلدان المتقدمة مسؤولية تاريخية أكبر فيما يرتبط بتغير المناخ فحسب، بل إنها بنت اقتصاداتها وثرواتها على ذلك. ويجادل الكثيرون في الجنوب العالمي بأن هذا يعني أن الدول الغنية تتحمل مسؤولية خفض الانبعاثات بشكل أسرع والوصول إلى أهداف صافي الانبعاثات الصفر في وقت أقرب.
ولفت هوني إلى أن مفهوم العدالة كان موضوعاً متوتراً خلال مؤتمرات الأطراف، منذ أن بدأت قبل نحو 30 عاماً.
توضح الأرقام الواردة في هذا الجدول مدى احتياج البلدان إلى الحد من التلوث الناتج عن تسخين الكوكب لتلبية ما يشير إليه تحليل متتبع العمل المناخي بأنه "حصتها العادلة" من تخفيض الانبعاثات بحلول عام 2030 لوضعها على المسار الصحيح لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية.
ويأخذ التحليل، الذي يستند إلى أكثر من 40 دراسة علمية، في الاعتبار مجموعة من العوامل بما في ذلك الانبعاثات التاريخية للبلدان وقدرتها على دفع تكاليف العمل المناخي.
وأضافت فرانسين أنه يعكس حقيقة أن كل دولة بحاجة إلى العمل بشأن تغير المناخ، ولكن ليس جميعها بالوتيرة ذاتها، قائلة: "البلدان تختلف بتاريخها وقدراتها".
وأشار هوني إلى أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتصدران الرسم البياني جزئيا بسبب مسؤوليتهما الضخمة عن الانبعاثات التاريخية.
وأضاف أن الدول المتقدمة أطلقت الكثير من الانبعاثات على مدى نحو 200 عام الماضية حتى أنها "أصبحت الآن مديونة".
وعلى الطرف الآخر من الطاولة، تتحمل نيجيريا مسؤولية تاريخية أقل كثيرا فيما يرتبط بأزمة المناخ، وموارد أقل للتعامل معها.
من جهتها، قالت هانا فيكيت من معهد NewClimate Institute، التي تعمل لدى برنامج تعقب العمل المناخي، إن البلاد من الناحية الفنية لديها "مساحة كبيرة متبقية للانبعاثات".
وأضافت أن هذا لا يعني أن نيجيريا لا ينبغي أن تتحرك، خاصة وأن البلاد منتج ومصدر كبير للوقود الأحفوري.
واعتبر فريدلينغشتاين أن هناك العديد من الطرق المختلفة لتحديد الحصة العادلة لدولة ما في تخفيضات الانبعاثات. وتُعد بيانات "Climate Action Tracker" مجرد طريقة واحدة لمحاولة تحديد المسؤولية.
وأكدّ أنه "لا توجد إجابة واحدة" على سؤال من يجب أن يفعل ماذا، فالأمر لا يتعلق بالفيزياء ولا بالرياضيات. ولا يتعلق بعلم المناخ، بل يتعلق بالقرار، والسياسة، والدبلوماسية".