هل يكشف الوزن الواقع الصحي لأجسامنا في الحقيقة؟

علوم وصحة
نشر
8 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- هناك تحوّل طفيف، لكن حقيقي، بالطريقة التي يناقش فيها المجتمع وزن الجسم، وتزايد في الآونة الأخيرة. منذ حوالي 10 سنوات، الحديث عن حركة الجسم الإيجابية المتمثّلة بحبّ أجسادنا مهما كان حجمها. 

وصنفت الجمعية الطبّية الأمريكية  حينها السمنة بأنّها مرض، ما أدّى إلى انقسام المجتمع الطبّي حول هذا الموضوع. واعتقد البعض أنّ التصنيف سيساعد في تقليل وصمة العار  فيما رأى آخرون، أنّه يضع الأجسام الأكبر حجمًا في خانة المرض.

وقد تسارعت هذه التغييرات التحوّليّة مع دخول أدوية جديدة إلى السوق لاقت رواجًا، وبفضلها تخلّص العديد من الأشخاص من الوزن الزائد. 

وتناول كبير المحللين الطبيين ومقدم برنامج "شايسينغ لايف" على CNN،  الدكتور سانجاي غوبتا، في لقائه مع الدكتورة فاطمة كودي ستانفورد، اختصاصية طب السمنة في مستشفى ماساتشوستس العام والأستاذة المساعدة بكلية الطب في جامعة هارفارد، موضوع الرابط الحقيقي بين الصحة والوزن؟ 

هل الوزن يشكل عبئًا على الرعاية الصحية؟

رغم تغيّر المواقف تجاه الحجم الكبير للأجسام، إلا أنّ الوزن الزائد لديه ثمن.

ومن وجهة نظر الرعاية الصحية، يكلّف ذلك البلاد الكثير من المال. وكانت دراسة نُشرت بمجلة "The Lancet" في عام 2020، لفتت إلى أنّ 27% من إجمالي نفقات الرعاية الصحية في عام 2016، أي حوالي 730.4 مليار دولار، نُسبت إلى "عوامل الخطر القابلة للتعديل" للحالات الصحية التي يمكن الوقاية منها، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية. وتصدّر مؤشر كتلة الجسم المرتفع قائمة عوامل الخطر تلك. وكان مسؤولًا عن قرابة ثلث هذا المبلغ أي ما قيمته 238.5 مليار دولار.

 

وبمرور الوقت، زادت هذه النفقات الصحية، وفاقت تريليون دولار بين عامي 2016 و2022، مسجلة 4.5 تريليون دولار، وفق حسابات الإنفاق على الصحة الوطنية. وبالتالي تكلّف الرعاية الصحية الناجمة عن الوزن الزائد الكثير من المال.

وبعيدًا من هذه التكاليف التي يتحمّلها المجتمع، هناك تكاليف حقيقية باهظة يتحمّلها الأفراد لجهة التمتع بالرفاهية الجسدية والعقلية على حد سواء.

وصنّف ما يقرب من 3 و4 أمريكيين يبلغون من العمر 20 عامًا وما فوق على أنهم يعانون من زيادة الوزن أو السمنة. لكن وصمة العار المتّصلة بالوزن شائعة جدًا عندما يتعلق الأمر بالوزن.

ويؤدي هذا الأمر إلى ضغط مستمر على مئات ملايين الأشخاص لإنقاص وزنهم، وممارسة المزيد من التمارين، والتماثل مع معايير جمال معينة يصعب على الكثيرين تحقيقها، لا سيما على نحو مستمر. وقد تمّ نصحهم بـ"الحصول على صحة جيدة"، التي تعني غالبًا "إنقاص الوزن".

لكن هل النظام المعتمد في تصنيف الأشخاص بحسب مؤشر كتلة الجسم (BMI)، يمكن التعويل عليه في المقام الأول؟

عندما طوَّر  أدولف كويتيليت، عالم الرياضيات والإحصائي والفلكي البلجيكي، هذه الصيغة (الوزن بالكيلوغرام مقسومًا على مربع الطول بالمتر يساوي مؤشر كتلة الجسم) في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، كان يحاول معرفة حجم "الرجل العادي" الأوروبي من الناحية الإحصائية. 

لم يقصد كويتيليت استخدام الصيغة التي وضعها كتشخيص. ولم يقصد أن تكون قابلة للتطبيق على سكان العالم الآخرين. فهو لم يأخذ بالاعتبار عوامل مثل الصحة العامة، أو العضلات بالمقارنة مع العظام،  والدهون، أو الجنس أو الدهون تحت الجلد مقابل الدهون الحشوية أو أي اعتبارات أخرى. وتمّ إرساء فئات "نقص الوزن"، و"الوزن الطبيعي"، و"زيادة الوزن"، و"السّمنة"، بشكل عشوائي.

وبالإشارة إلى حجم الشخص ومؤشر كتلة الجسم، قالت ستانفورد: "لا يمكنني افتراض أنّ الشخص الأكبر حجمًا لا يتمتّع بصحة جيدة بخلاف الشخص النحيل". وتابعت: "هذا ما يعتقده الناس. لكنّ هذا الأمر سطحي جدًا". 

هل وصل الدواء المنقذ؟

تجسّد مقاربة ستانفورد طريقة جديدة للأطباء لجهة التفكير بالوزن. إنها توازي حركة إيجابية الجسم وحركة حيادية الجسم، وتقدير ما يمكن لجسمك القيام به. يبدو أن هذه التحولات الثقافية تدفعنا جميعًا كي نصبح أكثر قبولًا للأجسام الأكبر حجمًا من دون الاضطرار إلى تغييرها، طالما أنها تتمتّع بصحة جيدة من الناحية الفسيولوجية والوظيفية.

لكن طرأ تطوّر بعد ذلك، أي تبنّي فئة جديدة قوية وفعّالة من الأدوية التي تم تطويرها أساسًا لعلاج مرض السكري من النوع الثاني. وتشمل هذه الأدوية سيماغلوتايد (يُباع تحت اسم Ozempic، وRybelsus، وWegovy)، وtirzepatide (يُباع تحت اسم Mounjaro وZepbound)، بالإضافة إلى الليراغلوتيد الأقدم (يُباع تحت اسم Victoza وSaxenda).

وعملت هذه الأدوية من خلال محاكاة بعض الهرمونات التي تطلقها أجسامنا عندما نأكل. وحين ترتبط هذه الهرمونات، أو الأدوية التي تحاكيها، بمستقبلات في أجسامنا، يُعتقد أنها تقوم بعدد من الأمور، ضمنًا تحفيز إنتاج الأنسولين وإرسال إشارة إلى أدمغتنا بأننا وصلنا إلى حالة الشبع، ويمكننا التوقف عن الأكل. وقد تبين أيضًا أنّ أحد الهرمونات، GLP-1، يبطئ عملية الهضم، لذلك نشعر بالشبع لفترة أطول.

تغيير بتفكيرنا في السمنة يلوح بالأفق

ولفت غوبتا إلى أنّنا أيضًا في منتصف ما يمكن أن يكون تحوّلاً نموذجياً في الطريقة التي نفكر بها لجهة "مرض" السمنة.

هناك فكرة جديدة، لم تكتمل بعد في كل البيانات، قوامها أنّ هناك أنواعًا مختلفة من السمنة. وسرعان ما قد يُنظر إلى هذه الأنواع الفرعية المختلفة على أنها أمراض متميّزة، مثلما لم يعد سرطان الثدي يعتبر مرضًا واحدًا بل أمراضًا عديدة. هذه الأنواع الفرعية من السمنة لا تملك جميعها البيولوجيا ذاتها أو السبب الأساسي، كما أنها لا تستجيب بالضرورة لأنواع العلاج ذاتها.

وهذا منطقي، إذ ليس جميعنا متشابهين، وعلينا أن نأخذ ذلك في الاعتبار. 

النجاح ووصمة العار 

حتى عندما نكون في طور الانتقال إلى مرحلة جديدة من كيفية تفكيرنا في الوزن وفقدان الوزن، بفضل المواقف المتغيّرة والأدوية الجديدة، لا تزال وصمة العار المتّصلة بالوزن مهيمنة علينا إلى حد ما، وتتبدّى من خلال نوعين: 

  • النموذج الأول: إذا لم تستخدم الأدوية الجديدة واستمررت في جسم أكبر من المقبول ثقافيًا، لا سيّما أنّ الكثيرين لا يستطيعون الوصول إلى الأدوية أو تحمّل كلفتها، والبعض الآخر لا يستطيع تحمّلها، فيما لا يتقبلها آخرون، ولا يفقد آخرون وزنًا كما كانوا يأملون.
  • النموذج الثاني: هذا النموذج يُعتبر نتيجة لاستخدام الأدوية، إذ أن القليل من الناس فقط على استعداد للتحدث عن ذلك بصراحة. ومن النادر أن يكون أحد المشاهير صريحًا بشأن ذلك. ويشبه الأمر الاعتراف بأنك تفتقر إلى قوة الإرادة للقيام بذلك بمفردك، أو أنّك تسلك الطريق الأسهل.