دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أحبّت الفنانة الإسبانية ألمودينا روميرو منذ صغرها النباتات، إذ قالت: "كنت في الرابعة أو الخامسة من عمري تقريبًا، وكلما سألتني جدتي: ماذا تريدين هدية لعيد ميلادك، كنت أجيبها: شجرة زيتون".
وحاليًا، تعرض روميرو فنّها الفريد القائم على النباتات، في معرضين أولهما بالعاصمة البريطانية لندن (معرض ساتشي) وثانيهما في العاصمة الفرنسية باريس (متحف ألبرت خان). وتسعى الفنانة الإسبانية إلى تشكيك الجماهير بنزعتهم الاستهلاكية المفرطة، من خلال تبيان أنه ممكن إنشاء فن بأسلوب صديق للبيئة.
في سلسلتها الفنية التي تتكونّ من أربعة فصول بعنوان "تغيير الصباغ" (The Pigment Change)، طبعت روميرو صورها مباشرة على النباتات عوض تظهيرها على ورق الصور الفوتوغرافية.
وقالت لـCNN: "لقد قمت فقط بوضع صورة سلبية أعلى الورقة، وتركت الأمر لأشعة الشمس كي تكمل المهمة وتنقل الصورة على الورقة النباتية. لكنني أقوم أيضًا بالطباعة على النباتات الحية بواسطة جهاز عرض رقمي، ثم يقوم النبات بعملية التمثيل الضوئي باستخدام الضوء الصادر عن جهاز العرض، ويسجّل الصورة".
في أحد فصول تلك السلسلة الفنية، بعنوان "ألبوم العائلة"، تنشر روميرو بذور الجرجير على قماش مشدود، وتتركها تنمو في الظلام، قبل إسقاط صورة سلبية عليها.
وأوضحت الفنانة الإسبانية: "الأجزاء التي تتلقّى المزيد من الضوء تنتج الكلوروفيل، فتظهر درجات اللون الأخضر الداكن، والأجزاء التي تتلقّى قدرًا أقل من الضوء تبقى صفراء شاحبة، تمامًا كما هي الحال في غرفة مظلمة للتصوير الفوتوغرافي. لكن عوض الحصول على مكبر، لدي جهاز عرض، ولوحة الجرجير عبارة عن ورق الصور الخاص بي. هكذا قمت بتظهير الصور".
انتشرت عملية الكلوروفيل التي اعتمدتها روميرو في تسعينيات القرن الماضي مع الفنانين البريطانيين هيذر أكرويد ودان هارفي، اللذين عرضا صورًا على العشب باستخدام صورة سلبية وخفيفة بواسطة لمبة جهاز عرض. ويُزعم أنهما توصّلا إلى هذه التقنية عندما لاحظا الخطوط العريضة العشوائية لسلم مصبوب على إحدى منشآتهما العشبية.
ورغم كونها عملية مبتكرة، إلا أنها لم تكن بسيطة. إذ تتطلّب الكثير من المساحة والتحضير. وفي وقت لاحق، عزز الفنان بينه دانه هذه الطريقة باستخدام مواد حساسة للضوء من النباتات، ما أدى إلى تأمين خط إيجابي مباشر على الورقة، وتمكين ضوء الشمس من تبييض الصورة على سطحها.
التعلم من النباتات
اعتادت الفنانة الإسبانية، التي نشأت في مدريد، قضاء العطلات في مزرعة للأفوكادو خاصة بجديها في فالنسيا، شرق إسبانيا. ورسّخ تنفّس الهواء النقي، وقطف ثمار الفاكهة، والتعلم من جدتها عن النباتات خلال سنوات نشأتها، فيها القيم البيئية التي تعتنقها اليوم.
وقالت: "النباتات مهمة بالنسبة لي، ومردّ ذلك جزئيًا إلى إرث عائلتي"، لكنها تعترف بأنّ تقنيّاتها الصديقة للبيئة لن تكون مناسبة لجميع الفنانين، خاصة أنها قطع سريعة الزوال، ويصعب أن تكون مستدامًا ماليًا.
وأشارت روميرو البالغة من العمر 38 عامًا إلى أن "النباتات كانت موجودة لفترة أطول بكثير من وجودنا على هذا الكوكب، وقد نجحت في الاستمرار من دون التعرض للانقراض".
في عام 2020، فازت الفنانة الإسبانية بجائزة BMW Residency عن المشروع، وعُرضت أعمالها في مهرجان التصوير الفوتوغرافي الشهير "Rencontres d’Arles" في فرنسا.
تعمل روميرو الآن على مشروعها التالي الذي من المقرر أن يكتمل بحلول يونيو/ حزيران 2025. وبتفويض من المعهد الوطني الفرنسي لبحوث الزراعة والأغذية والبيئة، من المقرر أن يكون حجم العمل أكبر من حجم ملعب.
وأوضحت روميرو:"أنا أعمل في زراعة ما سيكون أكبر عمل فني فوتوغرافي أُنتجه. سنقوم بزراعة صورة تبلغ مساحتها 30 ألف متر مربع".
تتعاون الفنانة الإسبانية مع العالم نيكولاس لانغليد، بمساعدة الذكاء الاصطناعي، لاستخدام أنواع مختلفة من القمح والأعشاب وراثيًا لتحقيق لوحة ألوان غنية بما يكفي لإنتاج صورة مميزة.
ويعكس العمل الفني علاقة الإنسان بالأرض، والنباتات، وأثرنا على البيئة، وترابطنا مع الطبيعة.