دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- نشر مستخدم قناة "يوتيوب" البريطاني أشلي همفريز العديد من مقاطع الفيديو حول استكشاف كوريا الجنوبية، من بينها جولة في المنطقة المجردة من السلاح، وزيارة إلى متنزه ترفيهي مهجور اسمه "يونغما لاند".
لكنه الآن مهتم بالذهاب إلى هناك لأكثر من مجرد عطلة. ويُعتبر همفريز من بين الدفعة الأولى من المتقدمين للحصول على تأشيرة "عمل" جديدة أطلقتها حكومة كوريا الجنوبية في عام 2024.
وتدوم التأشيرة لمدة أقصاها عامين، وتستهدف العاملين عن بعد كما هي حال همفريز، الذي أطلق على قناة سفره المتمحورة حول آسيا اسم "Ashley's Planet".
أصبحت "تأشيرات البدو الرقمية" أو تأشيرات إجازة العمل شائعة بشكل متزايد خلال الجائحة، وبدأت بالظهور في كل مكان، من دبي إلى جزر كايمان.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "كوريا هيرالد"، أفادت وزارة العدل في كوريا الجنوبية أنّ تأشيرة البدو الرقمية ستجعل العمل عن بعد، والإجازات أكثر سلاسة للزوار.
وورد في التقرير أيضًا أن "النظام الجديد سيسمح للموظفين وأصحاب العمل في الشركات الخارجية بالتجول والعمل عن بعد في كوريا لفترة أطول".
لكنّ، يعتقد أن بعض الخبراء الكوريين الجنوبيين أن هذه التأشيرات هدفها أبعد من تسهيل السفر فقط، فهي وسيلة محتملة لزيادة القوى العاملة في بلد يعاني من انخفاض معدل المواليد بشكل درامي.
ويعتقد البروفيسور جونهو سوه، مدير مشروع معهد الإدارة الكوري في جامعة جورج واشنطن، أن تأشيرة العمل تُعتبر "انطلاقة بسيطة" لخطة أكبر تسعى لجلب المزيد من الأجانب إلى كوريا، وليس فقط لأسباب مهنية.
الانقسام الديموغرافي
وتعاني كوريا الجنوبية من أدنى معدل مواليد في العالم.
ومن المتوقع الآن أن ينخفض معدل الخصوبة في البلاد، الذي يُقاس على أساس عدد الولادات المتوسطة للمرأة في حياتها، من 0.78 في عام 2022 إلى 0.65 في عام 2025، وفقًا لهيئة الإحصاءات الكورية. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، كان عدد الوفيات أكبر من عدد المواليد المسجلين في البلاد.
وبينما أن هناك دول ومناطق آسيوية أخرى، مثل هونغ كونغ، وتايلاند، وجزيرة بالي الإندونيسية، تضم أعداداً كبيرة من المقيمين الأجانب، فإن سكان كوريا الجنوبية متجانسون.
عندما أعلنت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان نتائج دراسة "التمييز العنصري في المجتمع الكوري الجنوبي" في مارس/ آذار 2020، فقد أجاب 7 من كل 10 مهاجرين بأن التمييز العنصري موجود في المجتمع الكوري.
لا تزال العلاقات بين الأعراق في كوريا الجنوبية تشكل حالة شاذة إلى حدّ أن العديد من قنوات "يوتيوب" التي يقوم ببطولتها "أزواج عالميون" أصبحت شائعة ومربحة.
وقال سوه إنه "ربما من خلال تطبيق سياسة التأشيرة الجديدة هذه، تحاول الحكومة توجيه الأجندة أو المناقشة لتطبيع المزيج الاجتماعي بين الأعراق المختلفة، أو بين الكوريين وغير الكوريين".
وأوضحت جيونغ هيون تشو، مؤسسة هوبرز (Hoppers)، وهو عبارة عن مجتمع للعاملين عن بعد والأجانب الذين يعيشون في كوريا الجنوبية، أن تأشيرة العمل عن بعد أصبحت "الموضوع الأكثر سخونة" في مجموعة "Digital Nomads Korea WhatsApp" وغيرها من المنصات عبر الإنترنت التي تُسهلها "Hoppers".
في استطلاع شمل 1300 عضو، أفادت جيونغ أنّ 83% منهم أعربوا عن اهتمامهم بالتقدم للحصول على التأشيرة الجديدة. ورغم أنها تصنف بلدها الأصلي على أنه متقدم جدًا لجهة البنية التحتية والنقل العام، وخدمة الواي فاي، وسواها من المرافق، إلا أنها تقول إن أكبر مشكلة تواجه الشباب الكوري هي تكاليف المعيشة المرتفعة، لافتة إلى أن "منطقة العاصمة في كوريا مكتظة بالسكان".
وتابعت: "هذا يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، والمنافسة الشديدة، ومستويات التوتر التي تؤثر على قرارات الزواج وتكوين الأسرة. أعتقد أن انخفاض معدل الخصوبة يرتبط بالحياة التنافسية والمجهدة في منطقة العاصمة".
وتعتقد أنّ "تحقيق اللامركزية، وتوفير نوعية حياة أفضل في المناطق الإقليمية، قد يخفف من هذا الأمر، وقد يشكّل مجتمع من البدو الرقميين في المناطق الإقليمية نقطة انطلاق".
الأجانب في كوريا الجنوبية
رغم أن تأشيرات "العمل" تُعد خطوة حاسمة لفتح كوريا الجنوبية الباب أمام العمال الدوليين، إلا أن همفريز يعتقد أن المتطلبات "صارمة للغاية" بالنسبة لغالبية المتقدمين الطموحين.
وبهدف الحصول على التأشيرة، يجب على المتقدمين التأكد من حصولهم على ما لا يقل عن 85 مليون وون (65 ألف دولار) سنويا من شركة غير كورية، وإبراز دليل على التأمين الصحي، والتمتع بسجل جنائي نظيف.
منحت "InterNations"، التي تعتبر نفسها أكبر مجتمع على الإنترنت في العالم للمغتربين، كوريا الجنوبية درجات منخفضة في فئة "سهولة الاستقرار"، وفق استطلاع المستخدمين السنوي الذي تضمن أسئلة حول مدى تمتع السكان المحليين بالود، وسهولة التنقل من دون أن تكون متمكنا من التحدث بطلاقة باللغة المحلية.
وحلّت البلاد في المرتبة 50 بين 53 دولة في تقرير موقع "Expat Insider" لأفضل الدول التي يمكن الانتقال إليها، متقدمة على تركيا، والنرويج، والكويت فقط. ومع ذلك، تعتقد جيونغ أنه سيكون هناك الكثير من المتقدمين الذين تنطبق عليهم معايير تأشيرة "مكان العمل". وقالت: "تشير بيانات مجتمعنا إلى أن جزءًا كبيرًا من أعضائنا يمكن أن يستوفوا هذا المعيار"، موضحة أن غالبية المتقدمين الذين تعرفهم ينتقلون من أمريكا الشمالية ويعملون في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات والاستشارات.
بالنسبة لأولئك الأجانب الذين يقصدون كوريا الجنوبية للعمل، يقول موقع "Digital Nomad World" الإلكتروني الذي يتتبع اتجاهات العاملين عن بعد، إن الشخص العادي سينفق 2050 دولارًا شهريًا للعيش في سيؤول، وهو رقم يؤثر على تكاليف العمل، والسكن، والغذاء، والعبور، ومساحات العمل المشتركة.
يصنف الموقع كوريا الجنوبية في مرتبة عالية لجهة الحياة الليلية وثقافة الشباب، لكنه يعطي درجات أقل لجهة تقبل مجتمع الميم وإمكانية الوصول إلى اللغة الإنجليزية.
وفي الوقت عينه، تحتل كوريا الجنوبية المركز 49 من أصل 113 دولة على مؤشر الكفاءة في اللغة الإنجليزية، ما يضعها ضمن الفئة "المعتدلة". للمقارنة بجميع أنحاء المنطقة: تحتل سنغافورة المرتبة الثانية في العالم، وهونغ كونغ المرتبة 29، واليابان المرتبة 87.
ومع ذلك، لم يتردد همفريز في سعيه للحصول على تأشيرة "العمل" في كوريا الجنوبية ويخطط للاستقرار في سيؤول إذا تمت الموافقة على طلبه.