دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تحت خيمة نصبت على رقعة من العشب تضربها الشمس، ينحني سينجيزان كوكا عاري الصدر فوق بنطال جلدي أسود للصلاة. بعدها يصب زجاجة تحوي خليطًا من الماء وزيت الزيتون في بنطاله، كي يتمكن من ارتداء السروال القاسي المزخرف باسم عائلته.
كوكا واحد من مئات المصارعين الذين يتنافسون في مهرجان كيركبينار لمصارعة زيت الزيتون هذا العام، الذي يقام في شمال غرب تركيا. وقد قصده شباب من جميع أنحاء البلاد، وحتى من الخارج، للتنافس في واحدة من 15 فئة عمرية ووزنية.
إلى عناصر الشبه الكثيرة برياضة المصارعة الحرة، إلا أن ثمة استثناء جوهري يتمثّل بتغطية المتنافسين بزيت الزيتون من رأسهم إلى أخمص القدمين. لا حصائر رياضية أيضًا، وجميع المباريات تُقام على ملعب ذات عشب طويل. تُجرى أكثر من 12 مباراة في وقت واحد، لكل منها حكمها الخاص.
يشارك في هذا الحدث 752 مصارعًا هذا العام، وهو رقم أدنى بكثير من الـ3500 مصارع الذين شاركوا في المسابقة المفتوحة، عام 2023.
وعلّلت الهيئة الإدارية للرياضة في حديث لها مع وكالة الأناضول الإخبارية التابعة للدولة، سبب التراجع إلى متطلبات التأهل المضافة هذا العام لتعزيز مكانة كيركبينار باعتباره "أولمبياد المصارعة الزيتية". بيد أنّ هذه الخطوة أثارت جدلاً لدى بعض المنافسين، بحسب وسائل إعلام محلية.
محطم الأرقام القياسية
ويُعد الحدث الذي يُقام في أدرنة، على مرمى حجر من الحدود اليونانية، أقدم من النسخة الحديثة للألعاب الأولمبية.
وكان السلطان العثماني أورخان غازي في القرن الرابع عشر، ابتكر هذا التقليد السنوي كوسيلة لإبقاء قوّاته يتمتّعون بلياقة بدنية جيدة للمعركة. وقد استمر هذا التقليد السنوي عبر الأجيال، ويحمل الآن الرقم القياسي العالمي في موسوعة غينيس "لأقدم مسابقة رياضية معتمدة باستمرار".
بطولة هذا العام تسجل رقم 663. وبالنسبة للعديد من المصارعين، تسري هذه الرياضة في تاريخ العائلة. فوالد كوكا وعمه كانا مصارعين أيضًا، وراهنًا يتنافس جميع إخوته وأبناء عمومته.
وعلّق في حديث له مع CNN: "المصارعة تأتي أولاً في حياتنا. أعني أننا لا نفعل شيئًا تقريبًا سوى المصارعة. إنها بمثابة ميراث عائلي".
وحتى قبل أن يبدأ تدفق الزيت، ترحّب المظاهر الاحتفالية بالمصارعين، وترافق أصوات الطبول والمزامير التركية التقليدية المسؤولين المحليين عبر شوارع أدرنة المحاذية لِمسجد السليمية الذي يعود تاريخ بنائه إلى 450 عاماً، ويعتبر مسجدًا حديث العهد نسبياً.
وبين العناصر البارزة هذا العام المارشال الكبير، وهو عبارة عن حزام ذهبي ثقيل المظهر ملفوف على كتف واحدة، وهو شرف يمنح لكل من يقدم أكبر تبرُّع للبطولة. وبحسب وكالة الأناضول تجاوزت التبرعات هذا العام 250 ألف دولار.
"دم وعرق"
بعد توقف المسيرة في ساحة البلدة لتكريم الأب المؤسس لتركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك (الذي أسس البلاد بعد 562 عامًا من بدء هذه البطولة)، يتجه الموكب إلى المقبرة المحلية. وهنا، تقام صلوات المشاركين على نية المصارعين السابقين. وبعد ساعات قليلة، تعود قرون من التقاليد إلى الحياة من خلال المصارعين الراهنين.
قبل بدء المباريات، يقوم حاملو "المزيتات" بتغطية كل متنافس بمادة التشحيم الزلقة الخاصة بالطبخ. تعتبر الجوائز المالية لكل متسابق متواضعة نسبيًا، حوالي 17000 دولار للفائز بالفئة الأولى.
مع قرع طبول المعركة في الخلفية، يمسك كل متصارعين بأيديهما لفترة وجيزة، قبل أن يتم استدعاؤهما للبدء. يسير المتنافسون إلى الملعب وفق الطريقة التقليدية، حيث تضرب أيديهم على ركبهم العالية مع كل خطوة. ثم صلاة صامتة قصيرة وتبدأ المصارعة.
وقال كوكا: "وصلنا إلى هنا من خلال العمل الجاد، وأرقنا الكثير من الدم والعرق".
السواعد أسفل السراويل
يستحيل تقريبًا على المصارعين السيطرة على خصمهم بسبب زيت الزيتون ما لم يتمسكوا بسراويلهم. إن وضع ذراع أسفل البنطلون في هذه الرياضة يتوافق وقواعد اللعبة.
لأكثر من نصف ساعة، تقاتل كوكا وخصمه. في نهاية المطاف، يربح الخصم بعدما رفعه بلقطة عناق الدب لفترة كافية لإنهاء المباراة. بعدها رفع الحكم ذراعه للإشارة له أنه المنتصر.
جلس كوكا حزينًا في الخيمة المجاورة على حصيرة، فيما سرواله ما زال مغمّسًا بالزيت. وأعرب عن مشاعره لـCNN: "أشعر أن كل شيء قد انتهى الآن. حزنت جدًا لأني علّقت آمالًا كبيرة. أردت أن تشعر عائلتي بالفخر، لا سيّما أن الكثير من الجهد والنفقات استثمر في هذه المشاركة، وقد فشلت في اليوم الأول".
بالنسبة لكوكا، انتهت البطولة باكرًا، لكن يبدو أن هذه الرياضة القديمة ذاتها ستستمر لستة قرون أخرى بالحد الأدنى.
وخلصت عمدة المدينة فيليز جينجان أكين، إلى أنّ "هذه الرياضة كانت موجودة قبل تأسيس الجمهورية التركية، وأصبحت تقليداً واصلناه منذ ذلك الحين. إذا سألت كيف يستمر ذلك لفترة طويلة، أرد الأمر إلى أنه مسألة شغف".