دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- اتجه مستثمرون عرب وأجانب إلى استبدال شراء السندات الحكومية طويلة الأجل بدلًا من أذون الخزانة، لاستغلال ارتفاع سعر العائد على السندات لأكثر من 25%، وفق بيانات البورصة والبنك المركزي المصري.
وأرجع محللون أسباب هذا الاتجاه إلى توقعات المؤسسات المستثمرة في أدوات الدين الحكومية، خفض البنك المركزي أسعار الفائدة مطلع عام 2025، مما يحقق عوائد مرتفعة لآجال أطول.
وتمول وزارة المالية عجز الموازنة من خلال إصدار أذون وسندات خزانة. ويتولى البنك المركزي إصدار أدوات الدين الحكومية من خلال عطاءات بالسوق، وتقدر وزارة المالية، عجز الموازنة خلال السنة المالية الحالية 2024/2025 بقيمة 1.2 تريليون جنيه (بما يعادل 23.5 مليار دولار)، وفق بيانات وزارة المالية.
وخلال الأسابيع القلية الماضية، اتجهت المؤسسات الأجنبية إلى بيع مكثف لأذون الخزانة قصيرة الأجل قبل نهاية العام لجمع الأرباح، مما أدى إلى تراجع الجنيه أمام الدولار ليتجاوز الأخير مستوى 51 جنيهًا، الإثنين، بحسب محللين. وبعدها استبدلت المؤسسات بيع الأذون بشراء سندات الخزانة بشكل مكثف، وفق بيانات البورصة.
وفي آخر عطاء لبيع سندات حكومية، الإثنين الماضي، باع البنك المركزي المصري سندات خزانة ذات عائد ثابت لأجل عامين و3 أعوام بقيمة 1.905 مليار جنيه (37.3 مليون دولار)، وهو ما يمثل حوالي 11.2% فقط من إجمالي 17 مليار جنيه (332.8 مليون دولار) مستهدفة، وتم قبول عروض بقيمة إجمالية بلغت 450 مليون جنيه (8.81 مليون دولار) للسندات ذات أجل عامين، و1.455 مليار جنيه (28.5 مليون دولار) للسندات ذات أجل 3 سنوات، عند مستويات عوائد متوسطة بلغت 25.49% و24.298% على التوالي.
وقال الخبير المصرفي وعضو مجلس إدارة بنك قناة السويس سابقًا، طارق حلمي، إن الأيام الماضية شهدت تحول المستثمرين الأجانب إلى شراء سندات الخزانة الحكومية، مستهدفين تحقيق عائد مرتفع طويل الأجل، في ظل توقعات انخفاض أسعار الفائدة في مصر خلال العام المقبل.
وأضاف أن العائد من الاستثمار في أدوات الدين الحكومية مغري جدًا للمؤسسات العربية والأجنبية، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة محليًا في حين خفضت معظم البنوك المركزية حول العالم أسعار الفائدة خلال هذا الشهر، كما أن مصر منتظمة في سداد عوائد الأذون والسندات المستحق آجالها بالدولار.
وثبت البنك المركزي المصري أسعار الفائدة للمرة الخامسة على التوالي، في آخر اجتماع في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأبقى العائد على سعري الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75% على الترتيب، وسعر الائتمان والخصم عند 27.75%..
وأشار حلمي، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، إلى أن مصر تتمهل في خفض أسعار الفائدة لضمان جاذبية العائد على الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، مرجحًا أن تستمر هذه السياسة وتبدأ رحلة تيسير نقدي وخفض للفائدة خلال الربع الثاني من عام 2025، بعد خفضها في البنوك المركزية للدول الكبرى.
وتجتمع لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي، الخميس المقبل، لتحديد أسعار الفائدة، ويعد هذا آخر اجتماع للجنة خلال عام 2024.
واتفق معه رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية السابق ماجد فهمي، على أن إقبال المستثمرين الأجانب للاستثمار في سندات الخزانة سببه الرغبة في تحقيق عوائد مرتفعة طويلة الأجل في ظل ترقب قرار البنك المركزي مطلع 2025 لخفض أسعار الفائدة، مشيرًا إلى أن سعر الفائدة في مصر يعد ضمن الأعلى عالميًا، وهو ما يجذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بشكل كبير منذ تحرير سعر الصرف، ورفع الفائدة لمستويات قياسية.
رجح فهمي، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، خفض البنك المركزي سعر الفائدة بشكل طفيف مطلع العام المقبل "حتى يستمر العائد التنافسي للاستثمار في أدوات الدين المصرية مقارنة بمثيلتها في الأسواق المماثلة، لافتًا إلى أهمية استمرار تدفقات الاستثمار الأجنبي غير المباشر للحفاظ على مستويات توافر الدولار في الأسواق، وتجنب تكرار أزمة نقص النقد الأجنبي مرة ثانية".
وأضاف فهمي أن البنك المركزي سيعمل على التوازن بين الحفاظ على تنافسية أدوات الدين الحكومية، وفي الوقت نفسه خفض تدريجي لسعر الفائدة لتقليل عجز الموازنة، وتشجيع الاستثمار المباشر لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، حسب قوله.
وحول تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار، يرى ماجد فهمي أنه "انخفاض طبيعي في ظل زيادة الطلب على النقد الأجنبي، ولذا ينصح الحكومة بضرورة منح الأولوية لملف زيادة الصادرات المصرية، لتحقيق استقرار سعر الصرف عبر زيادة موارد البلاد الدولارية، بجانب استمرار الحفاظ على معدلات نمو في المصادر الأخرى من تحويلات المصريين بالخارج، والسياحة، والاستثمار الأجنبي المباشر، بهدف وقف تراجع الجنيه".
وقال العضو المنتدب لشركة ألفا لإدارة الاستثمارات المالية، محمد حسن، إن توقعات خفض أسعار الفائدة دفعت المستثمرين الأجانب إلى استبدال شراء سندات الخزانة، وبيع الأذون، لتحقيق عوائد مرتفعة على المدى الطويل، موضحًا أن العائد على الأذون قد يتجاوز 30% ولكن آجال استحقاقها يصل إلى فترة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر، ويتوقع بعد تجديدها أن تنخفض أسعار الفائدة، في المقابل وصل العائد على السندات لأكثر من 25% بآجال ما بين 3 إلى 5 سنوات، مما يحقق عائد مرتفع على المدى الطويل، بحسب قوله.
وأضاف حسن، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، أنه "رغم عائد الاستثمار في أدوات الدين الحكومية المصرية لا يعتبر الأعلى عالميًا إلا أنه يعتبر جذابًا جدًا للمستثمرين في ظل انتظام مصر في سداد التزاماتها الدولية، وفي الوقت نفسه تحسن أداء الاقتصاد المصري بصفة مستمرة في حين الأسواق المنافسة تعاني من توترات سياسية وتدهور اقتصادي".
وأرجع حسن سبب تراجع الجنيه أمام الدولار "إلى ارتفاع حجم الالتزامات الدولية التي تسددها مصر خلال فترة نهاية العام، ولكن الحكومة تعمل على عقد صفقات مع صناديق خليجية للاستثمار في قطاعي السياحة والعقارات بساحلي البحر الأحمر والمتوسط، ومساعدات أوروبية قد تمكنها من سداد التزاماتها، وفي الوقت نفسه استمرار ارتفاع الإقبال على سندات الخزانة الحكومية".