(CNN)-- عندما اجتاحت الفصائل السورية المسلحة ثاني أكبر مدينة في سوريا في عملية أدت في النهاية إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد الوحشي، حصل المسيحيون على تأكيدات بأن كنائسهم وممتلكاتهم ستظل محمية.
وبعد ثلاثة أسابيع من حملة الفصائل السورية الناجحة للإطاحة بالأسد، انضم مسيحيو سوريا الآن إلى أولئك في لبنان والأراضي الفلسطينية للاحتفال بعيد الميلاد وسط حالة عدم يقين وخوف كبيرين في المنطقة.
فخلال عهد بشار الأسد، سُمح للمسيحيين بالاحتفال بأعيادهم وممارسة طقوسهم، ولكن كجميع السوريين واجهوا قيودا استبدادية على حرية التعبير والنشاط السياسي.
وتسيطر الآن على معظم أنحاء سوريا جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية المسلحة، بقيادة أحمد الشرع، المعروف سابقا باسم أبو محمد الجولاني- الذي أسس فرع تنظيم القاعدة في سوريا قبل إعادة تسمية مجموعته في عام 2016.
وأكد أحمد الشرع أن مجموعته ستحمي الأقليات والطوائف الدينية في سوريا لكنه لم يطالب بعد على وجه التحديد بحماية المسيحيين قبل احتفالات عيد الميلاد. يقول سكان العاصمة السورية دمشق لشبكة CNN إن هيئة تحرير الشام لم تفرض أي قيود على الاحتفالات أو الصلوات هذا العام، لكن المسيحيين ما زالوا يخشون أن تهاجمهم العناصر المسلحة المارقة التي لا تتبع هيئة تحرير الشام.
وقال جورج، وهو كاثوليكي من سكان دمشق يبلغ من العمر 24 عاما، واختار أن يذكر اسمه الأول فقط ليتحدث بحرية: "لم تعلن هيئة تحرير الشام أي شيء عن وقف احتفالاتنا...لكن هناك مسيحيين لا يريدون الخروج للاحتفال لأنهم يخشون أن يتعرضوا للهجوم من قبل أفراد مسلحين مارقين".
وأضاف جورج أن أشجار عيد الميلاد والزينة الاحتفالية الأخرى تنتشر في جميع الأحياء المسيحية في دمشق، لكن الناس يقلصون من احتفالاتهم ويفرضون قيودهم الخاصة وسط غياب التواصل من جانب هيئة تحرير الشام. وأضاف: "إذا كانت هناك إعلانات عن تحسن الأمن في عيد الميلاد، ستحدث فارقا كبيرا. حتى الآن، لا يوجد أمن مناسب منظم بنسبة 100%".
وتستعد هيلدا حسكور، من سكان حلب، 50 عاما، وتعرف نفسها على أنها كاثوليكية سريانية، للاحتفال بعيد الميلاد لكنها تقول إن القلق لا يزال موجودا بين المسيحيين.
وقالت حسكور: "نريد فقط أن نعيش في سلام وأمان، إننا لا نطلب الكثير، هناك خوف، والناس متعبون".
"سنعيد البناء مرة أخرى"
للعام الثاني على التوالي، لن يتم وضع شجرة عيد الميلاد في بيت لحم، مسقط رأس السيد المسيح.
وقال رئيس بلدية بيت لحم أنطون سلمان في مؤتمر صحفي، السبت، إن مدينة بيت لحم التي تحتلها إسرائيل تعرضت "لعزلة شديدة" منذ بدء الحرب في غزة العام الماضي في أعقاب هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بسبب القيود المفروضة وتعليق السياحة وإغلاق أبوابها أمام الحجاج وتعطل الاقتصاد.
وخسرت المدينة ما لا يقل عن 600 مليون دولار من الإيرادات وارتفعت معدلات البطالة إلى أكثر من 36%، مع زيادة مستويات الفقر حيث يفتقر ما يقرب من 30% من سكان بيت لحم إلى مصدر للدخل بسبب غياب السياح.
وجاء في بيان نقلا عن سلمان: "ستقتصر احتفالات عيد الميلاد هذا العام على الصلوات والطقوس الدينية تضامنا مع الفلسطينيين في غزة وفي جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، ورفضا للقمع والظلم الذي يتحملونه".
وخلال العام الماضي في غزة، قتلت الهجمات الإسرائيلية ما لا يقل عن 45000 شخص ودمرت غالبية أنحاء القطاع، واستهدفت القوات الإسرائيلية الكنائس عدة مرات. وقبل أيام من عيد الميلاد العام الماضي، أطلق قناص عسكري إسرائيلي النار على امرأتين داخل أبرشية العائلة المقدسة، وفقا لبطريركية القدس اللاتينية.
في عيد الميلاد هذا العام، سُمح لأسقف القدس الكاثوليكي، والمعروف باسم البطريرك، بدخول غزة للصلاة مع المسيحيين في القطاع في أبرشية العائلة المقدسة، التي كانت مأوى للأقلية الدينية الصغيرة خلال العام الماضي.
وقال الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا للمصلين خلال قداس الأحد: "الحرب ستنتهي، وسنعيد البناء مرة أخرى، لكن يجب أن نحرس قلوبنا لنكون قادرين على إعادة البناء. نحن نحبكم، لذا لا تخافوا ولا تستسلموا أبدا".
لبنان يحتفل
وفي لبنان، تنتشر الزينة في المناطق المسيحية من بيروت، حيث تحرص المجتمعات على الاحتفال بعد أسابيع من إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل. وكانت الرحلات الجوية محجوزة بالكامل حيث عاد الناس للاحتفال بعيد الميلاد مع العائلات وفُتحت أسواق الأعياد في مختلف الأحياء.
وقال توني باتي، وهو أرمني كاثوليكي من سكان بيروت: "أخي سيعود بالطائرة من نيويورك فقط للاحتفال مع والدتنا".
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، وسعت إسرائيل قصفها لحزب الله إلى مناطق داخل لبنان، بما في ذلك العاصمة بيروت. وقُتل نحو 4000 شخص وأُصيب الآلاف، بينما واصل حزب الله إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على المدن الإسرائيلية في الشمال مما أدى إلى نزوح الآلاف.
ودخل حزب الله الحرب العام الماضي تضامنا مع الفلسطينيين في غزة وحماس، لكنه تكبد منذ ذلك الحين خسائر كبيرة، بما في ذلك اغتيال أمينه العام السابق حسن نصرالله وكبار قادته، وإضعاف القدرات الصاروخية للجماعة المسلحة. كما أن سقوط حليفه الرئيسي بشار الأسد، واستيلاء الفصائل السورية المسلحة على طرق الإمداد الرئيسية التي يستخدمها حزب الله في سوريا، قد يؤثر أيضا على قدرات الجماعة المدعومة من إيران.
وقال باتي: "نريد الاستقرار، لقد تعبنا. احتلنا السوريون لسنوات، ثم جاء النفوذ الإيراني، وقد سئمنا من الاقتتال المسيحي الداخلي، والاقتتال الإسلامي الداخلي، والحرب بين حزب الله وإسرائيل، كل اللبنانيين متعبون، وليس المسيحيين فقط".