هل وُجد العِنب لأنّ الديناصورات انقرضت قبل 66 مليون سنة؟

علوم وصحة
نشر
7 دقائق قراءة
هل وُجد العِنب لأن الديناصورات انقرضت؟
تُظهر الصور الأحفورية (أعلى) وإعادة البناء الفنية (أسفل) بذرة عنب ليثوفا، وهي أقدم عنب أحفوري من نصف الكرة الغربي عثر عليه في كولومبيا، ويعود تاريخه إلى 60 مليون سنة. Credit: Fabiany Herrera/Pollyanna von Knorring

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لطالما تداخل العنب بقصة تطوّر البشرية منذ آلاف السنين، ما يحيلنا إلى أصول النبيذ الذي أنتجه أسلافنا القدامى.. لكن ذلك لم يكن ممكنًا لو لم تنقرض الديناصورات، بحسب بحث جديد.

عندما ضرب مذنّب الأرض قبل 66 مليون سنة، قضى على الحيوانات الضخمة المتثاقلة، ومهّد الطريق لمخلوقات ونباتات أخرى كي تزدهر.

لكنّ اكتشاف بذور العنب المتحجرة في كولومبيا وبنما وبيرو، التي يتراوح عمرها بين 19 و60 مليون سنة، يسلّط الضوء على كيفية استحواذ هذه الثمار المتواضعة على موطئ قدم في غابات الأرض الكثيفة، وانتشارها في العالم. 

وتعتبر إحدى البذور المكتشفة حديثًا  أقدم مثال على نباتات عائلة العنب التي يمكن العثور عليها في نصف الكرة الغربي، بحسب ما توصّلت إليه دراسة أُجريت على العيّنات، ونشرت في مجلة Nature Plants، الإثنين.

وأفاد فابياني هيريرا، مؤلّف الدراسة الرئيسي، والأمين المساعد بعلم النباتات القديمة في المتحف الميداني (Field Museum) بمركز نيغاوني للأبحاث التكاملية في شيكاغو، ببيان، أنّ "هذه هي أقدم أنواع العنب التي تمّ العثور عليها في هذا الجزء من العالم، وهي أصغر ببضعة ملايين من السنين من أقدم أنواع العنب التي عثر عليها على الجانب الآخر من الكوكب. هذا الاكتشاف مهم لأنه يظهر أنه بعد انقراض الديناصورات، بدأ العنب بالانتشار في جميع أنحاء العالم".

على غرار الأنسجة الرخوة للحيوانات، لا يتم حفظ الثمار الفعلية بشكل جيد في السجل الأحفوري. لكنّ البذور التي يرجح أن تتحوّل إلى حفريات، قد تساعد العلماء على فهم النباتات التي كانت موجودة في مراحل مختلفة من تاريخ الأرض أثناء إعادة بناء شجرة الحياة وصياغة القصص الأصلية.

أما أقدم حفريات بذور العنب فعُثِر عليها حتى الآن في الهند، ويعود تاريخها إلى 66 مليون سنة، أي إلى وقت انقراض الديناصورات تقريبًا.

وقال هيريرا: "نحن نفكر دومًا بالحيوانات، والديناصورات، لأنها كانت أكبر الكائنات التي تأثرت بحدث الانقراض، لكنّه أثّر بشكل كبير على النباتات أيضًا. لقد أعادت الغابة ضبط نظامها بطريقة غيرت تكوين النباتات".

بحث صعب

وكان مستشار هيريرا للدكتوراه، ستيفن مانشيستر، أحد كبار مؤلفي الدراسة الجديدة، نشر ورقة بحثية حول حفريات العنب الموجودة في الهند. هذا الأمر جعل هيريرا يتساءل حول موقع وجود أحفوريات بذور عنب أخرى، مثل أمريكا الجنوبية، رغم أنه لم يتم العثور عليها هناك مطلقًا.

وأوضح هيريرا أنّ "العنب يحتوي على سجل أحفوري واسع النطاق يبدأ قبل حوالي 50 مليون سنة، لذلك أردت اكتشاف بعضًا منها في أمريكا الجنوبية، لكن الأمر كان مثل البحث عن إبرة في كومة قش". 

كان هيريرا والمؤلفة المشاركة في الدراسة مونيكا كارفاليو، الأمينة المساعدة في متحف علم الحفريات بجامعة ميشيغان، يقومان بعمل ميداني في جبال الأنديز الكولومبية عام 2022، عندما اكتشفت كارفاليو أحفورة. وتبيّن أنها تعود لبذور عنب عمرها 60 مليون عام محاصرة بين الصخور، وهي بين الأقدم في العالم، والأولى التي تم العثور عليها في أمريكا الجنوبية.

رغم أن الأحفورة كانت صغيرة، إلا أن شكلها وحجمها وخصائصها الأخرى ساعدت الثنائي للتعرف عليها على أنها بذرة عنب. وبمجرد عودتهما إلى المختبر، أجريا أشعة مقطعية لدراسة بنية البذور الداخلية وتأكيد النتائج التي توصلا إليها.

أحفورة بذور العنب
تحمل مونيكا كارفاليو أقدم أنواع العنب المكتشفة حديثًا من نصف الكرة الغربي، في موقع الحفر بكولومبيا.Credit: Fabiany Herrera

وأُطلق على الأنواع المكتشفة حديثًا اسم Lithouva susmanii، أو "عنب سوسمان الحجري"، تكريمًا لآرثر تي. سوسمان الذي كان داعمًا لعلم النباتات القديمة بأمريكا الجنوبية في المتحف الميداني (Field Museum).

وقال غريغوري ستول، المؤلف المشارك في الدراسة من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي: "هذا النوع الجديد مهم أيضًا لأنه يدعم الأصول الأمريكية الجنوبية للمجموعة التي تطورت فيها كرمة العنب الشائعة Vitis".

ولفت هيريرا إلى أنّ الصخور ترسبت في البحيرات القديمة والأنهار والمناطق الساحلية.

شجع هذا الاكتشاف الفريق على إجراء المزيد من العمل الميداني في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية والوسطى، وعثروا على تسعة أنواع جديدة من بذور العنب الأحفورية المحاصرة داخل الصخور الرسوبية. ومن خلال تتبع نسب البذور القديمة بالمقارنة مع نظيراتها الحديثة من العنب، أدرك الفريق أن حدثًا ما قد مكّن النباتات من الازدهار والانتشار.

كيف تغيرت الغابات القديمة؟

عندما انقرضت الديناصورات، أدى غيابها إلى تغيير بنية الغابات بأكملها، كما افترض الفريق.

وقالت كارفاليو أنه "معلوم أنّ الحيوانات الكبيرة، مثل الديناصورات، تغير النظم البيئية المحيطة بها. لذا نعتقد أنه إذا كانت هناك ديناصورات كبيرة تتجول في الغابة، فيحتمل أنها كانت تهدم الأشجار، ما يجعل الغابات مفتوحة أكثر مما هي عليه اليوم".

بعد اختفاء الديناصورات، نمت الغابات الاستوائية بشدة، وشكّلت طبقات من الأشجار طبقة سفلية، ومظلة. جعلت تسرّب الضوء إلى النباتات في هذه الغابات الكثيفة صعبًا، وكان عليها أن تتنافس على الموارد. وقال الباحثون إن النباتات المتسلقة كانت لها ميزة استخدمتها للوصول إلى المظلة.

وأشار هيريرا إلى أنه "في السجل الأحفوري، بدأنا نرى المزيد من النباتات التي تستخدم الكروم لتسلق الأشجار، مثل العنب، في هذا الحقبة تقريبًا".

وفي الوقت ذاته، عندما بدأت مجموعة متنوّعة من الطيور والثدييات بالعيش على الأرض بعد اختفاء الديناصورات، يحتمل أنها ساعدت أيضًا على انتشار بذور العنب.

مرونة النباتات

وتروي دراسة البذور قصة عن كيفية انتشار العنب، وتكيّفه، وانقراضه على مدى آلاف السنين، ما يظهر مرونته للبقاء على قيد الحياة في أجزاء أخرى من العالم رغم اختفائه من أمريكا الوسطى والجنوبية مع الوقت، لكن من غير الواضح سبب ذلك، بحسب هيريرا.

ورأى هيريرا أنّ "الأنواع الأحفورية الجديدة تطلعنا على تاريخ مضطرب ومعقد. نحن عادة نفكر في الغابات المطيرة المتنوعة والحديثة باعتبارها نموذجًا للمتحف الميداني، حيث تتراكم جميع الأنواع بمرور الوقت. ومع ذلك، تظهر دراستنا أن الانقراض كان قوة رئيسية في تطور الغابات المطيرة. 

يريد هيريرا البحث عن أمثلة أخرى للنباتات الأحفورية، مثل عباد الشمس وبساتين الفاكهة، والأناناس، لمعرفة ما إذا كانت موجودة في الغابات الاستوائية القديمة.

تساعد دراسة أصول النباتات وتكيفاتها في الماضي العلماء على فهم كيفية تعاملهم مع أزمة المناخ.

وأمل هيريرا بأن "تتكيف معظم بذور النباتات الحية بسرعة مع أزمة المناخ الحالية، لأن السجل الأحفوري للبذور يخبرنا أنّ النباتات مرنة، لكنها قد تختفي تمامًا من قارة بأكملها".