دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)— كان تحلّق عشاق الطعام حول الأطباق المشوية اللذيذة مشهدًا مألوفًا في شوارع زيبو.
وفي العام الماضي، أصبحت المدينة الواقعة في مقاطعة شاندونغ شرق الصين، واحدة من أهم المناطق في البلاد للسياحة الداخلية بفضل لحومها المشوية ذات الأسعار المعقولة.
ولكن بحلول نهاية عام 2023، تراجع هذا الجنون إلى حدٍ كبير، فأظهرت الصور على وسائل التواصل الاجتماعي محلات الشواء الفارغة.
وتقع زيبو على بُعد ثلاث ساعات فقط بالقطار من العاصمة بكين، وهي من المدن الصينية التي استفادت من تدفق السياح المحليين المنجذبين نحو وجهات العطل الرخيصة مع تباطؤ الاقتصاد الصيني.
ويُعرف هؤلاء باسم "مسافري القوات الخاصة"، فهم ينتقلون من نقطة إلى أخرى في ظل جداول زمنية ضيقة للغاية مثل الجنود، وغالبًا ما يكون ذلك خلال عطل نهاية الأسبوع أو العطل القصيرة.
ويوفر هؤلاء المسافرون شريان حياة اقتصادي للمدن المتعثرة، إذ تكافح الصين مع تراجع الاستهلاك المحلي، وتنتظر انتعاش أعداد السياح الأجانب.
وبحسب الهيئة الوطنية للهجرة، سجلت الصين زيارة 35.5 مليون أجنبي في عام 2023، ويعادل ذلك 36% فقط من الزوار الذين بلغ عددهم 97.7 مليون عام 2019 .
وفي النصف الأول من هذا العام، دخل وخرج 29.22 مليون أجنبي البلاد، بحسب أحدث الأرقام.
ولكن النهج الذي يتبع أسلوب التجمع المفاجئ لدى "مسافري القوات الخاصة"، والانتقال من مجتمع لآخر، يثير التساؤلات حول ما إذا كان هذا النوع من السياحة الداخلية مستدامًا على المدى الطويل.
السفر في عطلة نهاية الأسبوع
اعتاد السياح الصينيون الإنفاق على العلامات التجارية الفاخرة والتجارب الراقية خارج البلاد.
ولكن المستقبل الغامض الذي ابتليت به أزمة العقارات، وتراجع الاستثمار الأجنبي، والتوقعات السلبية في مجال التوظيف جعل المسافرين يفكرون مليًا بشأن الرحلات باهظة الثمن إلى الخارج.
وبدلاً من ذلك، توجه بعض السياح إلى مواقع أكثر رخصًا العام الماضي، لا سيما تلك الواقعة على بُعد مسافة قصيرة من المدن الكبرى.
وتَعتبر سيسي لي يويتونغ، وهي خريجة جامعية تبلغ من العمر 23 عامًا، نفسها واحدة منهم.
وقالت لي: "السفر بأسلوب القوات الخاصة في عطل نهاية الأسبوع يحظى بشعبية كبيرة الآن، لا سيّما بين طلبة الجامعات".
ومعظم هؤلاء الأشخاص من الشباب، وهم يبحثون عن رحلات محلية رخيصة باستمرار، بهدف إنفاق أقل قدر ممكن عند زيارة أكبر عدد ممكن من الأماكن.
وأفادت لي أنّها تسافر إلى الأماكن الموصى بها عبر منصة التواصل الاجتماعي الصينية الشهيرة " Xiaohongshu"(أي الكتاب الأحمر الصغير)، وهو تطبيق يشبه "إنستغرام" و"تيك توك" إلى حدٍ كبير.
ويشارك ملايين الصينيين نصائح السفر ويقرأونها عبر هذه المنصة.
ويميل المسافرون إلى البحث عن وجهات تقع على بُعد ثلاث ساعات من المدن الكبرى عند السفر بالسكك الحديدية السريعة، وأماكن تقدم اختصاصات محلية، مثل أطباق زيبو المشوية.
ازدهار قصير المدى
في هذه الأيام، يتوجه السياح المحليون إلى تيانشوي في مقاطعة قانسو الشمالية الغربية، وهي من أفقر المناطق في الصين.
وذاع صيت المدينة في وقتٍ سابق من هذا العام بسبب حساء "مالاتانغ"، وهو حساء حار يوضع فيه الفلفل المجفف المزروع بالمنطقة.
وتدفقت الأموال في جميع أنحاء البلاد بظل استغلال المستثمرين لهذه الصيحة، من خلال افتتاح مطاعم على طراز تلك الموجودة في تيانشوي في جميع أنحاء البلاد.
ومع ذلك، بدأت بعض المطاعم إغلاق أبوابها مع تراجع الاهتمام بوجباتها، وفقًا للمنصات الإعلامية التابعة للدولة.
وتعاني مدينة زيبو أيضًا من آثار الازدهار السياحي الصغير الذي شهدته.
وقالت صاحبة متجر في زيبو عرّفت عن نفسها باسم "الآنسة يانغ" لـCNN إنّ عدد السياح الذين زاروا البلاد خلال عطلة عيد العمال في مايو/ أيار قد تضاءل بشكلٍ ملحوظ مقارنةً بفترة الذروة السابقة، واضطرت بعض المتاجر إلى إغلاق أبوابها.
وأشارت أستاذة السياحة، ميمي لي، من جامعة هونغ كونغ للفنون التطبيقية، إلى أنّ التدفق المفاجئ للسياح يمكن أن يجلب فوائد اقتصادية للوجهات الأصغر، تمامًا مثل الأحداث الضخمة كالألعاب الأولمبية، أو معارض "إكسبو" العالمية، التي تعزز الاستثمار في المدن الكبرى.
ومع ذلك، يحصل هذا الأمر "مرة واحدة فقط" في العديد من المدن، فهناك شهية محدودة للأطباق المشوية أو الأطباق الحارة.
وترى لي أنّه يتعين على السلطات تثقيف أصحاب التجارات الصغيرة حول مخاطر الاستثمار غير العقلاني، واستخدام الأرباخ غير المتوقعة، لإعادة ابتكار أنفسهم.
وشرحت: "يجب على الحكومة أن تستعد لعودة مستوى السياحة إلى طبيعته. إنّها فرصة جيدة لتنويع منتجاتها وعروضها السياحية".