هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
قد أكون في حلّ من الخوض في المخاوف المترتبة على استئناف ولاية الرئيس دونالد جيه ترامب الأولى، فما بالك إن كان الحديث عن ولاية ثانية وأخيرة تؤسس لما صار راسخا على مستوى العالم ألا وهي "الترامبية".
يحرص الرؤساء في بلاد العم سام على العمل من أجل إرثهم السياسي فيما يعرف بالعقيدة أو "دُكْتْرِن"، لكن أصداء الولاية الأولى ما زالت حاضرة حتى في سنوات إدارة بايدن-هاريس الأربعة. لا حاجة لترامب للترويج لسياساته الداخلية والخارجية التي بدأت تعبّر عن نفسها بمجرد الإعلان عن الدفعة الأولى من الوزراء والشخصيات القيادية في إدارته الثانية.
في مقدمة تلك الاختيارات، عضو مجلس الشيوخ المخضرم ماركو روبيو عن ولاية فلوريدا، "اللاتينو" ابن مهاجر كوبي الذي يُتوقع أن يتولى حقيبة الخارجية وقد كان من أقوى المتنافسين على منصب نائب الرئيس قبل طرح اسم جيه دي فانس الذي استقر عليه قرار ترامب وحده.
قد يكون تفنيد روبيو لمنتقدي حملة إسرائيل على حماس كونها هي المتسببة ومن ورائها إيران بكارثة السابع من اكتوبر، من أبرز الأسباب التي دفعت إلى اختياره فاتحا بذلك السؤال الكبير حول إمكانية إيفاء ترامب بوعده وقف حربي أوكرانيا والشرق الأوسط قبل القضاء على حماس أو طردها من قطاع غزة أو الساحة الفلسطينية كلها، وقد أتت الإشارات المبكرة من الدوحة!
لو اكتفينا بهذا المثال وحده فيما يخص السياسة الخارجية، لرأينا أن الترامبية ما زالت تُعنى بالواقعية السياسية وتغليب الأمن ومن ثم الاقتصاد على أي اعتبار آخر، واجتراح الحلول من خلال ما تراه قابلا للتحقيق حتى وإن افتقد قبولا شعبيا أو حتى حكوميا من قبل دول حليفة وصديقة. ثمة مخاوف حتى في إسرائيل وأقرب حلفائها من "انقلاب" ترامب على "صديقه" بيبي، رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو عند فرض "رؤية الدولتين" كونه الحل الوحيد المقبول بعد قمة الرياض الثانية -العربية الإسلامية الاستثنائية منذ اندلاع حرب السابع من اكتوبر. قرارات القمة تضمنت إشارة قوية أيضا فيما يتعلق بالوصاية الهاشمية الأردنية "الحصرية" على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس مما يعني الكثير وقد يعمق خلافات دفينة بين فريق ترامب الجديد وأي حكومة في إسرائيل بما فيها المعارضة اليسارية أو العلمانية.
في الشأن الداخلي، يكفي مثال توم هومان، القائم بأعمال مدير إدارة الهجرة والجمارك السابق وهي الجهة المسؤولة عن إنفاذ القانون فيما يخص الهجرة، يكفي تعيينه "قيصر الحدود" خلفا لما كان مفترضا أن يكون دور نائب الرئيس كمالا هاريس، يكفي أن يكون مثالا قويا على أن ترامب ماض في تحقيق أول وعوده الانتخابية ضاربا بعرض الحائط أي مخاوف من تداعيات إنسانية أو اقتصادية على أمريكا.
ولعل من هم خارج الفريق الوزاري، الأكثر تعبيرا عما تشكله عودة ترامب من ترسيخ للترامبية التي عززتها سيطرة تامة على مجلسي الشيوخ والنواب إضافة إلى أغلبية قوية في المحكمة العليا، ناهيك عن حكام الولايات الخمسين. النتائج التي حققها ترامب للحزب الجمهوري وتياره المحافظ كانت الأقوى منذ عهدي الراحلين "تيدي" ثيودور روزفيلت ورونالد ريغان.
تولي روبرت كينيدي وإيلون ماسك لملفي الصحة والإنفاق الحكومي سيغير وجه أمريكا لعقود وسيكلف أي عودة للديمقراطيين الكثير من العمل مع قواعدهم الانتخابية أولا والمتأرجحين والمستقلين ثانيا وثالثا حول ما اعتبره عضو مجلس الشيوخ اليساري المخضرم بيرني ساندرز "تخلي الحزب الديمقراطي عن الطبقة العاملة" الأمر الذي أثار موجة عارمة من الانتقادات التي لم تسلم منه حتى فريق بايدن وفريق هاريس وشخصيات قادت التغيير و"انقلاب القصر" على بايدن وأعني بذلك الثلاثي باراك حسين أوباما الرئيس الأسبق ونانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابقة وتشاك تشومر الذي صار رئيسا سابقا لمجلس الشيوخ.
عربيا وخاصة الدول المعنية بشروط ونتائج وقف إطلاق النار أو "التهدئة" في الشرق الأوسط كما وعد ترامب، ثمة فرص وتحديات كثيرة، لعل النهج الأكثر أمانا والأجدى اقتصاديا وسياسيا هو التعاون مع الأولويات الأمريكية لإدارة ترامب من الناحية الوطنية أو الداخلية، فتلك ستلقى آذانا صاغية بأقل درجة من الخلافات أو المنغّصات. بمعنى البدء بالتعاون في القواسم المشتركة، فالجميع يريد مكافحة الفساد وضبط الإنفاق الحكومي، والجميع أيضا يريد استرداد شعبه لصحته وعافيته. عنوان ترامب الأكثر أمانا هما كينيدي وماسك..