(CNN)-- أعربت الصين عن "قلقها العميق" إزاء تصاعد التوترات في الشرق الأوسط بعد أن أطلقت إيران مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ في هجوم غير مسبوق على إسرائيل، مما أثار احتمال نشوب صراع أوسع نطاقا في منطقة تعهدت فيها بكين بلعب دور صانع السلام وتعزيز رؤيتها الأمنية الخاصة.
وقالت وزارة الخارجية الصينية، في بيان، الأحد إن "الصين تدعو الأطراف المعنية إلى ممارسة الهدوء وضبط النفس لمنع المزيد من التصعيد"، واصفة التوترات الأخيرة بأنها "امتداد للصراع في غزة"، والذي قالت إنه يجب وضع حد له في أسرع وقت ممكن.
وأضافت الوزارة: "الصين تدعو المجتمع الدولي، وخاصة الدول ذات النفوذ، إلى لعب دور بناء من أجل السلام والاستقرار في المنطقة".
وكانت الضربات الإيرانية، التي قالت طهران إنها ردا على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من إبريل/ نيسان، هي المرة الأولى التي تشن فيها الجمهورية الإسلامية هجوما مباشرا على إسرائيل من أراضيها.
وأدى القرار الذي اتخذه قادة إيران بضرب إسرائيل بشكل مباشر إلى دفع حرب الظل بين الخصمين الإقليميين إلى العلن.
ويحث الحلفاء الغربيون إسرائيل على وقف التصعيد، مع تزايد المخاوف من نشوب حرب إقليمية شاملة – وهو السيناريو الذي سعت واشنطن إلى الحصول على مساعدة بكين لتجنبه.
وفي أعقاب ضربة دمشق، التي قالت إيران إنها أسفرت عن مقتل 7 أشخاص، من بينهم اثنان من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع نظيره الصيني وانغ يي، ونظرائه الآخرين في تركيا والمملكة العربية السعودية، "لتوضيح أن التصعيد ليس في مصلحة أي أحد، ويجب على الدول أن تحث إيران على عدم التصعيد"، بحسب متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تطلب فيها الولايات المتحدة من الصين التأثير على إيران منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفي أعقاب هجمات المتمردين الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر في أواخر العام الماضي، حاول المسؤولون الأمريكيون مرارا وتكرارا حث بكين على الضغط على طهران - التي يُعتقد أنها تقوم بتدريب وتمويل وتجهيز الحوثيين - لكبح جماح الهجمات.
وأثار تصاعد التوترات الأخير مرة أخرى تساؤلات حول مدى النفوذ الذي تمارسه الصين على إيران - وما إذا كانت بكين مستعدة لتحويل رأسمالها السياسي إلى نفوذ.
وقال الأستاذ المساعد في جامعة خرونينغن بهولندا ويليام فيغيروا: "نظريا، الصين تتمتع بقدر كبير من النفوذ المحتمل على إيران".
وكانت الصين أكبر شريك تجاري لإيران على مدى العقد الماضي، وتشتري 90% من صادرات النفط الإيرانية، مما يوفر شريان حياة لطهران في مواجهة العقوبات الأمريكية، كما تزود الشركات الصينية إيران بمعدات الأمن والمراقبة.
ومع ذلك، قال فيغيروا إنه من الناحية العملية، من الصعب على الصين استخدام هذه الأدوات للتأثير على سلوك إيران، وأضاف:
"استخدام هذه العلاقات التجارية كسلاح، خاصة بهذه الطريقة الواضحة، من شأنه أن يقوض استراتيجيتها الإقليمية الأكبر لتطوير علاقات اقتصادية وثيقة في جميع أنحاء الجزء الجنوبي من العالم".
لقد وسعت الصين بشكل كبير نفوذها الاقتصادي والسياسي في الشرق الأوسط، وفي السنوات الأخيرة، تعهد الزعيم الصيني شي جين بينغ بـ"المساهمة بالحكمة الصينية في تعزيز السلام والهدوء في الشرق الأوسط" كجزء من مبادرته للأمن العالمي لتقديم بديل للنظام الأمني الذي يقوده الغرب.
وفي العام الماضي، توسطت بكين بين المملكة العربية السعودية وإيران لإحداث تقارب تاريخي بين الخصمين الإقليميين منذ فترة طويلة، لكن كبح جماح إيران في الصراع المستمر قد يكون مهمة شائكة بالنسبة للصين، كما يقول المحللون.
وقال فيغيروا إن العلاقات بين بكين وطهران متوترة بالفعل بسبب "نقص استثمار الصين في إيران" على الرغم من الوعود المتكررة والمحاولات السابقة للتأثير على السياسة الإيرانية بشأن هجمات الحوثيين.
وأضاف: "رغم أنهم سعداء بلعب دور في المفاوضات، فإن الواقع هو أنهم يفتقرون إلى قوة قسرية حقيقية في المنطقة ويظلون مهتمين في المقام الأول بالمبادرات التجارية والدبلوماسية، هم يدركون ذلك وليسوا حريصين على توسيع نطاق نفوذهم بالطريقة التي يعتقدون أن الولايات المتحدة فعلتها".
ورغم أن الصين تشعر بقلق حقيقي إزاء الخطر الذي يفرضه صراع أوسع نطاقاً على استثماراتها وتجارتها في المنطقة ــ وخاصة صفقات الطاقة، فإنها تعتقد أن السبب الجذري يكمن في الصراع في غزة.
وقال فيغيروا: "لذلك، فهي ترى أن الحل الحقيقي ليس في كبح الصين لإيران، بل في كبح الولايات المتحدة لإسرائيل وإيصال الصراع إلى تسوية تفاوضية تتضمن حل الدولتين".
ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الغارة الجوية، ومع ذلك، قال متحدث عسكري لشبكة CNN إن إسرائيل تعتقد أن المبنى الإيراني الذي ضرب في الهجوم هو مبنى عسكري لـ"فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" وليس قنصلية.
وأصدرت بكين إدانة قوية في أعقاب تلك الغارة الجوية في دمشق.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين في مؤتمر صحفي دوري في اليوم التالي للهجوم: "يجب عدم انتهاك أمن المؤسسات الدبلوماسية، ويجب احترام سيادة واستقلال سوريا".
وأضاف: "وسط الاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط، نعارض أي عمل من شأنه تصعيد التوترات".
ونقلت بكين تلك الرسالة إلى واشنطن، الأسبوع الماضي، عندما أكد وانغ في اتصاله الهاتفي مع بلينكن أن "الصين تدين بشدة الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا"، بحسب وزارة الخارجية الصينية.
وقالت مدير برنامج الصين في مركز ستيمسون للأبحاث ومقره واشنطن يون صن، إن "الصين مترددة في إدانة إيران بسبب ضرباتها الانتقامية لأنها ترى طهران ضحية".
وأضافت: "أعتقد أن الصينيين متعاطفون بشكل خاص مع إيران بالنظر إلى تجربتهم الخاصة مع القصف الأمريكي للسفارة الصينية في بلغراد، هذا هو السبب الذي يجعل الصين لا تدين إيران".
وخلال الغارة الجوية التي شنها حلف شمال الأطلسي (الناتو) على يوغوسلافيا السابقة في عام 1999، هاجم الطيارون السفارة الصينية في بلغراد مما أسفر عن مقتل 3 صحفيين صينيين.
واعتذر الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، بيل كلينتون، للزعيم الصيني آنذاك جيانغ زيمين ووصف ذلك بأنه "حادث مأساوي ناتج عن معلومات استخباراتية خاطئة".
وفي الوقت نفسه، نددت بكين بالضربة ووصفتها بأنها "عمل بربري"، مع اندلاع الاحتجاجات خارج المجمعات الدبلوماسية الأمريكية في جميع أنحاء الصين.
وقالت يون صن: "لذلك من غير المرجح أن تمارس الصين ضغوطا على إيران، فبالنسبة للصين، لو مارست الولايات المتحدة ما يكفي من الضغط على إسرائيل، لما حدث الهجوم الإسرائيلي ولا الانتقام الإيراني، إن ممارسة الضغط على إيران، التي يُنظر إليها على أنها الضحية في المقام الأول، أمر غير منطقي".
ردود فعل من آسيا
وأدى التصعيد الجذري للتوترات إلى ردود فعل صارمة من بلدان أخرى في آسيا، حيث قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إنه "يدين بشدة" الهجوم الإيراني الذي "يزيد من تفاقم الوضع الحالي في الشرق الأوسط"، وتعهد بمواصلة الجهود الدبلوماسية "لمنع الوضع من التدهور وتهدئة الوضع".
وقالت الهند إنها "تشعر بقلق بالغ إزاء تصاعد الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل، وتراقب الوضع المتطور عن كثب".
وذكرت وزارة الخارجية الهندية، في بيان، الأحد: "ندعو إلى وقف التصعيد الفوري وممارسة ضبط النفس والتراجع عن العنف والعودة إلى مسار الدبلوماسية".
وتحدث وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، بحسب ما نشره على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأحد، للإعراب عن "قلق" الهند بعد الهجمات ومناقشة "الوضع الإقليمي الأوسع"، وتحدث أيضا مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان و"شدد على أهمية تجنب التصعيد وممارسة ضبط النفس والعودة إلى الدبلوماسية".
كما دعت الفلبين وماليزيا وإندونيسيا إلى الامتناع عن المزيد من التصعيد.